22 نوفمبر، 2024

الثابت والمتحول في انتخابات 2022رسالة إلى نواب الثورة

18 -6-2022

https://www.nidaalwatan.com/article/87617

منذ أن اندلعت الثورة وأنا أكتب عنها مقالة اسبوعية. لا يشغلني عنها همّ ولا تشدني آلام اللبنانيين وأوجاعهم، وما أكثرها! إلى الكتابة عن سواها، اعتقاداً مني أنها الباب الوحيد لعلاج تلك الآلام والأوجاع ولا باب غيره.

كل أزماتنا تستحق أن يكتب عنها وأن يبحث عن سبل لمعالجتها. الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية، الكهرباء والمحروقات، النفط والغاز، المواد الغذائية، الجوع، الأدوية، الاستشفاء، الهجرة، السلاح غير الشرعي، التطبيع، المفاوضات البحرية وكل المسالك الوعرة التي رمتها السلطة في وجوهنا لتوصلنا إلى جهنم.

أما قلمي فلا يميل إلى الكتابة إلا عنها ويشم رائحتها، تمثلاً بقول الشاعر محمد الماغوط: «إن قلمي يشم رائحة الحبر كما يشم الذكر رائحة الأنثى، ما أن يرى صفحة بيضاء حتى يرتجف كاللص أمام نافذة مفتوحة».

منذ الطائف وحتى انفجار الثورة كتبت آلاف الصفحات، كتباً ومقالات، عن فكرة واحدة وشعار واحد: الدولة هي الحل. في 17 تشرين الأول 2019، في الأمسية ذاتها، عندما انتهيت من إطلاق كتابي، أحزاب الله، في المدرسة الجعفرية في مدينة صور، وزبدته فضح مواقف الأحزاب، كل الأحزاب اللبنانية، من الدولة، كانت الثورة في بيروت تبشر بأن فكرة الدولة صارت في أيادٍ أمينة.

انتظرناها طويلاً، وحين أتت أرعبهم إسمها فأطلقوا عليها من المصطلحات ما يحميهم من قدرها. لكن الثورة ليست أحجية لغوية ولا هي لعب على الكلام. هي تستحق كل النعوت والأسماء الحسنى، انتفاضة أو حراكاً أو مجتمعاً مدنياً، وصولاً إلى نعت نوابها بالتغييريين. لكن لن ينقذ أعداءها ولا أصدقاءها ولا حاسديها ولا المشنعين عليها من إسم وحيد ونعت وحيد يليق بها ويعبر عن محتواها وهو مثل»الحفر والتنزيل»، الثورة ونواب الثورة.

الثورة كانت وحدها في الانتخابات. هي وحدها التي أتت بكم إلى البرلمان. الثورة ليست حزباً ولا تحالف أحزاب ولا أندية وجمعيات أو قادة في مؤسسات المجتمع المدني. هي توليفة من كل هؤلاء وليست أياً منهم منفرداً. توليفة من وجع وجوع وقهر وفقر وضحايا حكام فاسدين ومستبدين.

كان يمكن لانتصارها أن يكون مبيناً لولا قانون الانتخاب الأسوأ في تاريخ الديمقراطيات. كان يمكن أن تسحبهم من بيوتهم لولا ميليشيات مسلحة وغير مسلحة تحميهم وتقبض على مفاصل السلطة.

كل السلطات في بلدان الربيع العربي اختارت الحروب الأهلية قبل أن تنهار، إلا في لبنان. فضل الثورة اللبنانية أنها قاومت الانزلاق إلى الحرب الأهلية، مرتع الميليشيات ومبتغاها. الطريق إلى الدولة تحت سقف الدستور قد تكون أطول من طريق الثورة المسلحة لكنها بالتأكيد أقل كلفة.

في بداية الثورة كان شعار «كلن يعني كلن» «ضرورة وجودية» لإقناع الجميع بأن الثورة قامت في مواجهة الإمعان في انتهاك الدستور، وهذا جرم لا تقترفه الميليشيات المسلحة وحدها، ولا يستثنى من مسؤوليته أحد، ولا يقترفه فحسب من ينازع الدولة على سيادتها، بل هو فعل من يتخلف عن القيام بواجب يمليه عليه الدستور، أو من يعمل على إلغاء الدستور أو على تعليقه، ومن لا يستمع إلى صراخ جائع وأنين مريض على باب مستشفى ومن يشرّع للسطو على المال العام ومن يتحاصص أجهزة الدولة وإداراتها وثرواتها كأنها كلها ملك أبيه.

خلال الانتخابات لم يكن هذا الشعار أكثر من «ضرورة تعبوية» حين تدعو الحاجة في بعض الدوائر لا في كلها. بعد الانتخابات أثمرت الثورة حين صار لها نواب فصار الشعار مضراً تحت قبة البرلمان، لأن بعض من كانوا مشمولين به تحولوا بقوة الثورة وليس بأي قوة سواها، حتى لو كابروا وأنكروا ذلك، إلى جزء من المعارضة الوطنية لمواجهة تحالف الفساد والإفساد.

غداً، حين سيصدح غضب الشارع من جديد، لا شيء سيمنع الثورة من متابعة إبداعاتها في البرلمان كما في الشارع، لا في صياغة الشعارات فحسب بل في صناعة مستقبل الوطن. لكن لا ترضوا بالأسماء التي أطلقوها عليكم. أنتم لستم إلا نواب الثورة.