9 أيار 2020
الوجه الأول من أزمة العلاقة بالثورة يتمثل في كون اليسار يناضل تحت شعارات اشتراكية فيما الثورة تطالب بالدولة الدستورية، أي دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص وتداول السلطة. ويتمثل الوجه الثاني في كونه يناضل دفاعاً عن قضايا سواه بعد أن ضاعت منه القضية المركزية. وهناك وجه ثالث، وهو الأخطر، يتمثل بالموقف من الدولة.
الكلاسيكيات الماركسية، يقول فالح عبد الجبار، خلو من أي كلام مفيد عن الدولة. وهو يقصد الدولة الدستورية التي يناضل ثوار الربيع العربي تحت رايتها. غير أن الأدبيات السياسية اليسارية ملأى بمصطلحات مثل سلطة الطبقة العاملة ودولة البروليتاريا والثورة على البرجوازية. فضلاً عن ذلك، بدل أن يلتزم “الحزب الشيوعي” بالمراجعة الشجاعة التي أعادت النظر بكثير من المفاهيم، وبالأخص مفهوم الثورة، وقفت القيادة في وجه من اعتبرته مسؤولاً عن التجديد في الحزب ودفعته إلى الاستقالة، واعترضت على أي منحى أو اقتراح من شأنه ترجيح الديموقراطية على دكتاتورية البروليتاريا.
دولة الثورة اللبنانية ليست هي ذاتها دولة اليسار الشيوعي. الثورة تريد الانتقال من الدولة البوليسية، دولة الميليشيات والمافيا والفساد إلى دولة تحكمها القوانين، وأغلب الظن أن الجيل الجديد من اليساريين انخرط في صفوف الثورة متبنياً برنامجها السلمي الديموقراطي الوطني، وكان التزامه كاملاً بمشاركة الثوار رفع العلم الوطني اللبناني وحده وإخفاء كل مظاهر الفئوية والشرذمة. غير أن الخطاب اليساري القيادي لم يغب عن الساحات، داعياً إلى مواجهة الصهيونية والإمبريالية والاستعمار، ملتقياً، ربما عن غير قصد، مع قوى الممانعة ذاتها التي تستظل بها سلطة الفساد والإفساد، مشاركاً إياها التظاهر في محيط السفارة الأميركية أو الهجوم على واجهات المصارف.
الخطير في كل هذا أن بعضاً من المندسين يخططون للهجوم على المصارف بقصد التخريب وتكسير الواجهات وإحراق المباني ثم ينسحبون ويتركون اليسار وحده، لتحميله، حتى في حال غيابه، وزر استخدام العنف بدليل وبغير دليل، فقط لأن المصطلحات الخاصة بالعنف والثورة والدم واللون الأحمر ومشتقاتها، محسوبة حصراً عليه منذ ثورة اكتوبر/تشرين الأول السوفياتية، مع أن العنف الذي مارسته الأصوليات الدينية وأنظمة الاستبداد تجاوز عنفه بأشواط، ولم تسقط التهمة عنه بمرور الزمن ولا لطفت منها تحولات حصلت من غير عنف ضد الأنظمة الشيوعية.
ماذا يريد اليسار من الثورة؟ بديلاً من سلطة المافيا الحاكمة في لبنان، ثلاثة خيارات واضحة ومحدودة. إما دولة دستورية تحكمها القوانين، أو دولة شمولية على نمط النظام السوري أو دولة ولاية الفقيه. على جوابه يتوقف حل الأزمة. هل يريد بناء دولة اشتراكية، أم الانخراط في “الجبهة الوطنية ” أم المشاركة في الاستعدادات لعودة المهدي؟
خيار وحيد أمام اليسار لحل أزمة علاقته بالثورة: الانخراط في صفوفها، تحت شعار الشعب يريد تطبيق النظام، لأن الدستور موجود والتعديلات الضرورية عليه لا تستوجب إسقاط النظام. وإلا فهو متهم باللعب على الحبلين، ولم يعد معه متسع من الوقت. أما مواجهة “العنف الرجعي” فليس أمراً يستحضر من بطون الكراسات اللينينية أو قراراً تتخذه جهة ما منفردة في الغرف السوداء للأجهزة والمخابرات الحزبية.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان