24 نوفمبر، 2024

الثورة وأزمة اليسار اللبناني (2)

6 أيار 2020

https://www.nidaalwatan.com/article/20365

يبدو اليسار كأنه يناضل في سبيل الاشتراكية، مع أنه متيقن بأن صيغتها المحققة انهارت، وبأن إعادة الاعتبار للفكرة وللمشروع تتطلب من الوقت والجهد ما لا يستطيع اليسار اللبناني بمفرده توفيره. فهل يكفي التفسير الاقتصادي وحده لتبرير موقف اليسار من المصارف؟ لنفترض أن المصارف مسؤولة عن الانهيار المالي وعن إفلاس الدولة اللبنانية، فما الحل في نظر اليسار الذي يطالب بـ”إسقاط حكم المصرف”؟ هل هو الحل المنشود قبل الحرب الأهلية المستنبط من مقولة الطغمة المالية ورأس المال المالي. غير أن كل مكونات الثورة أجمعت على أن نهب القيمة الزائدة، بحسب المصطلح الماركسي، في البنوك والمؤسسات الاستثمارية، ليس هو المسؤول عن الانهيار الحاد المالي والنقدي والاقتصادي، بل السلطة السياسية التي أدارت شؤون البلاد بعقلية ميليشيوية. إذاً ينبغي البحث عما هو أبعد من التفسير الاقتصادي.

قبل المؤتمر السادس كانت الاشتراكية هي قضية الحزب الشيوعي المركزية والعمود الفقري في برنامجه وفي خطته التنفيذية لحل جميع المعضلات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، بما في ذلك القضية الفلسطينية. المراجعة النقدية تزامنت مع انهيار التجربة الاشتراكية، ما استوجب تعديلاً جعل قضية الحزب مركبة من قضايا عدة، مع إضافة نوعية تمثلت بمقاومة الاحتلال. لكن المراجعة النقدية انعكست سلباً على دور الحزب في المقاومة الوطنية لأن برنامجه للانقاذ الوطني ركز على “المصالحة الوطنية” مع خصوم الأمس في الحرب الأهلية، وهو ما بدا متعارضاً مع رغبة نظام الوصاية في جعل المقاومة ورقة لتحسين شروط التسوية لا لتحرير الأرض، أسوة بسواها من الأراضي السورية المحتلة في الجولان. في التسعينات، التجربة الاشتراكية انهارت. المصالحة الوطنية في لبنان ممنوعة. الديموقراطية اللبنانية محاصرة بنظام مخابراتي. تدمير مؤسسات الدولة على قدم وساق. نهب الأموال الخاصة والعامة وفرض الخوات على المتمولين وعلى المؤسسات المالية انعكس بانهيار بنك المدينة. النظام القديم الذي كان الحزب يناضل في ظله انتهى. لم يبق من مكونات القضية لديه سوى بطولات مقاوميه، فحاول أن يجعل منها قضيته المركزية، إلا أن القرار كان واضحاً بالتضييق عليه وعلى عمل مقاومته ومحاصرتها تسليحاً وتمويلاً، ومعاقبة المقاومين عند اختراقهم خطوط المواجهة، باعتقالهم أو باغتيالهم، حتى بات الحزب بلا قضية جامعة وبرنامجه بلا عمود فقري.

في ظل غياب القضية الجامعة، استمر الحزب حاضراً في العمل النقابي، في قطاع التعليم، وفي نقابتي المهندسين والأطباء والاتحاد العمالي العام، وذلك لأن الشيوعيين صاغوا في كل واحد من هذه القطاعات قضية وتحلقوا حولها، غير أن غياب القضية المركزية جعلهم يفقدون مواقعهم النقابية واحداً تلو الآخر. لم تجد القيادة غير التمسك بشعار المقاومة، بعد أن صودرت منها بالقوة والعنف، وبعد أن تم توظيفها من قبل جبهة الممانعة في مواجهة الثورة.

فكيف لا يرتبك حزب ينخرط في الثورة بصدق ويتبنى برنامج الثورة المضادة؟