5 أيار 2020
كأن الشاعر محمد الماغوط نطق باسم اليسار، كل أنواع اليسار، حين تحدث عن الثورة قائلاً: “مذ كانت رائحة الخبز شهية كالورد… كرائحة الأوطان على ثياب المسافرين… وانا بانتظار الثورة التي يبست قدماي بانتظارها. من أجلها أحصي أسناني كالصيرفي، أداعبها كالعازف قبل فتح الستار…”
على امتداد قرن من الزمن ارتبط اسم الثورة بالشيوعيين. ما من انتفاضة أو انقلاب عسكري أو حتى تظاهرة إلا وكان الشيوعيون في مقدمة الصفوف. إلا مع الربيع العربي وثوراته. ارتبكوا. قال قيادي في الحزب الشيوعي السوري، الشيوعيون في القواعد مع الثورة والقيادة ضدها. هذا هو سبب الارتباك. جيل الشباب نهل أفكار الثورة نقية نقاء سيرة غيفارا، وحازمة كحتميات المؤسسين، وصلبة كصلابة المناضلين الأوائل. أما الجيل الذي عقد مساومات مع أنظمة “حركة التحرر الوطني” وتحالف معها وانخرط في جبهاتها الوطنية، فقد تشوشت أفكاره بعد أن خضعت لتجاذبات الصراع بين المصلحة الوطنية ومصالح السوفيات.
الحزب الشيوعي اللبناني، في مؤتمره السادس المنعقد بعد اتفاق الطائف، قرأ التجربة بعين نقدية، وأدان الحرب الأهلية، لكن جرأته في المراجعة اهتزت أمام الاختيار بين “التحرر الوطني” و”الوحدة الوطنية”، لأن لكل منهما تحالفاته وبرنامجه النضالي. في التحرر الوطني العدو خارجي والإجماع مفقود لأن لكل فريق عدواً ولكل فريق مقاومة، أما الوحدة الوطنية فتحتاج إلى إجماع. وهكذا يصير الخيار إما وحدة وطنية إما حرباً أهلية. هذه حقيقة أثبتتها أحداث الربيع العربي، إذ إن الأنظمة والأحزاب “التقدمية” كانت وحدها مسرحاً للحروب الأهلية، من الجزائر وليبيا ومصر والسودان إلى اليمن والعراق، إلى الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت بتمويل عربي وشاركت سوريا كطرف محلي فيها حتى احترقت هي بنارها.
إنطلقت الثورة اللبنانية وانخرط فيها جيل الشباب من الشيوعيين الذين يعود لهم الفضل في إعطائها طابعاً وطنياً، فمن دونهم ما كان لها ممر إلى المناطق التي تسيطر عليها الشيعية السياسية. ترافقت مشاركة القواعد الحزبية بعفوية، بثورة “طال انتظارها” مع مباركة قيادية، لكن مباركة مبنية على برنامج آخر غير برنامج الثورة، مما جعلها مشاركة جسدية فحسب أبلوا فيها البلاء الحسن في التصدي للثورة المضادة، ولا سيما في كفررمان، فيما القيادة متمسكة بشعارات تصب في خانة الثورة المضادة.
الثورة حددت أهدافها بوضوح: حكومة انتقالية تمهد لانتخابات نيابية على أساس قانون جديد، وتحرير القضاء من تسلط السياسيين ومحاسبة المسؤولين عن الفساد واستعادة الأموال المنهوبة. كل ذلك تحت سقف الدستور وبوسائل التعبير السلمي. الثورة المضادة اعتمدت التضليل للتغطية على المسؤول الحقيقي، فبعثت بمندسين للقيام بأعمال التخريب، أو للاعتداء على الثوار السلميين، ومعظمهم طلاب جامعات، وحاولت تصوير الثورة كأنها من فعل عملاء للخارج المعادي لسوريا وإيران، أو للداخل من خصوم العهد القوي، ونجحت في العزف على وتر الصراع الطبقي وعلى أولية العوامل الاقتصادية، أي البنية التحتية بحسب المصطلح الماركسي، فحولت الأزمة من أزمة طبقة سياسية فاسدة إلى أزمة مالية نقدية بطلها النظام المصرفي.
مأزق اليسار أنه يطالب بإسقاط حكم المصرف وكأن الاشتراكية على الأبواب. لو كان الأمر كذلك لقلنا من غير تردد أن الثورة هي في مأزق وليس اليسار.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان