7 آذار 2020
أحزاب وتجمعات استبقت الثورة وأخرى ولدت من رحمها. آخر تلك الولادات حركة المبادرة الوطنية 2020، قبلها حزب سبعة، وعامية 17 تشرين وتجمع لقوى وأحزاب يسارية معارضة، أبرزها الحزب الشيوعي. وقبل هذه وتلك حركات تصحيحية ومحاولات نقد ذاتي لتجربة الحرب الأهلية. هل ماتت الأحزاب القديمة وهل من حاجة لجديد ما وما المعيار ليكون الجديد جديداً حقاً؟
قد يكون المعيار هو الموقف من الثورة. يصنف في خانة القديم من يتجاوز عدم المشاركة فيها فيذهب بعيداً في الاعتراض عليها ومواجهتها بما ملكت يداه. لا شك أن هؤلاء لم يقوموا بأي عملية نقد ذاتي لتجاربهم قبل اتفاق الطائف وبعده، بل هم متمسكون بنهج اتبعوه من نشأتهم الأولى ولم يحيدوا عنه قيد أنملة. وهم ليسوا طرفاً واحداً أو حزباً. ما يجمع بينهم مصالح مشتركة وطريقة تفكير واحدة: القبض على السلطة بيد من استبداد واعتماد الخارج نقطة انطلاق في تحليل المشاكل الداخلية وفي حلها أيضاً. هؤلاء هم اليوم، على اختلافهم، من الذين لا ينظرون إلى الأحداث إلا بعين سورية أو إيرانية، ويصنفون اختصاراً من أهل الممانعة.
المشاركون في الثورة صنفان. جيل شاب يخوض تجربته الأولى من غير حاجة إلى نقد ذاتي، لأنه لم يعش ظروف الحرب الأهلية وشرورها، وجيل مخضرم بعضه من مواليد الحرب وبعضه من صنّاعها، يستخدم في نقده الذاتي بعضاً من اللغة القديمة ذاتها التي استخدمت أيام الحرب. بعض اللغة هذا من شأنه أن يطيح بنوايا أصحابه الحسنة واندفاعهم الصادق في قلب الثورة، وأن يقصر من أعمار تنظيماتهم وأحزابهم الجديدة حتى لو كانت مولودة من رحم الثورة.
الربيع العربي، ومنه ربيع لبنان، استحق اسم الثورة لأن مطلبه الأساسي هو التغيير من خلال إعادة تشكيل السلطة، ولم يكن مدرجاً على جدول عمل الثورات كلها، ولا سيما الثورة اللبنانية، أي بند خارج هذا المطلب. من الجزائر غرباً حتى العراق شرقاً ومن سوريا ولبنان في الشمال حتى اليمن في الجنوب، مدخل واحد للحل، ولا مدخل سواه: وجود الدستور والالتزام بأحكامه. هي إذاً ثورات من أجل الديموقراطية والدولة الدستورية العلمانية المدنية. صحيح أن عدد التجمعات السياسية الناشئة في ظل الثورة محدود، لكن المؤسسات والهيئات المولودة قبل الثورة والمشاركة فيها تعد بالمئات. معيار نجاحها واستمرارها أو فشلها وسقوطها مرتبط بالتزامها أو عدمه بأولية التناقض الداخلي. الخطر داخلي أولاً، وداخلي دائماً، فيما الخطر الخارجي غير ثابت. هو الإمبريالية في نظر الأحزاب اليسارية، والاستعمار في نظر الأحزاب القومية، وفي نظر الأحزاب الطائفية كل طائفة أخرى.
درس أول تعلمناه من الربيع العربي هو أن الدور الخارجي مرتبط بوجود ركيزة داخلية له، يقوى بقوتها وينعدم بانعدامها. والدرس الثاني هو أن الثورة ليست جزءاً من معارك التحرر الوطني ضد الاستعمار وضد التدخلات الخارجية الأجنبية الشقيقة أو الصديقة أو العدوة، بل هي تخوض معركتها ضد أنظمة الاستبداد الداخلي. وسيكون من الطبيعي أن يخرج من صفوف الثورة، عاجلاً أم آجلاً، كل شخص أو حزب أو تنظيم أو تجمع يضع في رأس أولوياته التصويب على الخطر الخارجي بدل التصويب على خطر الاستبداد الداخلي.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان