27 شباط 2020
إرغام المسؤولين عن الأزمة السياسية المالية على الخروج من الحكومة وضع الثورة أمام مواجهات أكثر تعقيداً. من تصوّب الثورة عليهم باتوا يعملون من وراء حجاب. وفيما تواجه الحكومة أزمة وتبحث عبثاً عن حلول، يلوذ اللصوص بحثاً عن حماية من الغضب الشعبي ومن سلطة قضائية قد تسترد سيادتها في وهج الثورة. ولهذا فإن الفصل الثاني من الثورة يغدو أكثر حاجة للدقة في التصويب ولتحديد الأهداف وصياغة الشعارات.
لقد لعب شعار “كلن يعني كلن” دوره الحاسم في مغادرة جيل الشباب انقسامات فرضتها ظروف الصراعات الاقليمية على الأجيال السابقة، فبدا اجتماع الثوار تحت راية العلم اللبناني تعبيراً عن تمسكهم بالوحدة الوطنية وعن رفضهم الولاء للزعماء المحليين وولاء هؤلاء للقوى الخارجية. وضع الجميع على السوية ذاتها لمحاسبتهم أمام القضاء هو مما أبدعته الثورة سلاحاً أسقط الحكومة، وأحال الجميع على المحاسبة.
المسؤولية عن الجانب المالي من الأزمة محل نقاش وأخذ ورد، أما عن الجانب السياسي فهي شديدة الوضوح. إنها تقع على عاتق قوى دمرت مؤسسات الدولة خلال عهد الوصاية، ثم على عاتق وكلائه وسماسرته، وعلى النهج الميليشيوي الذي رمته الثورة في قفص الاتهام الذي استخدمته قوى السلطة لتنتهك بواسطته الدستور في كل كبيرة وصغيرة، وخصوصاً في آليات تشكيل الحكومات، ولا سيما الأخيرة منها التي توزعت حصصاً كسابقاتها.
المحاصصة هي علة العلل، استخدموها كآلية في توزيع السيادة الوطنية إلى سيادات بين زعماء الطوائف وأسيادهم في الخارج، وبات على الثورة أن تستخدمها معياراً للمحاكمة السياسية. بيع السيادة للخارج واقتسام الدولة والثروة البشرية والمالية كغنائم في زمن الحرب، وكحقوق مكتسبة لزعماء الطوائف في زمن السلم هو زبدة ما في اللائحة الاتهامية بحق المشاركين في نظام المحاصصة، تحت شعار”كلن يعني كلن”. لكنه لن يكون شعاراً عادلاً إلا بشروط أربعة.
الأول، “ألا تزر وازرة وزر أخرى”، بحيث لا يؤخذ الصالح بجريرة الطالح، الثاني أن يطبق بمفعول رجعي فلا يعود إلى ثلاثين عاماً فحسب بل إلى خمسين، أي إلى بدايات الحرب الأهلية والاستقواء بالخارج على خصوم الداخل وعلى الدولة، والثالث هو أن تتناسب العقوبة طرداً مع حجم الدور في تخريب الدولة وانتهاك الدستور واختلاس المال العام. والرابع ألا يطبق قانون العفو إلا على من قام بقراءة نقدية لتجربته في الحرب الأهلية وتصرف على أساسها.
قوى الثورة مطالبة بإعادة تنظيم صفوفها وبعملية تجميع تحمي التنوع في صفوفها بدل تفريخ جمعيات وهيئات جديدة، بما يجعلها أكثر قدرة على ضبط الشارع ومتابعة النضال السلمي ومنع المندسين والفوضويين من الاصطياد في الماء العكر، وبما يجعلها أكثر قدرة على توظيف التنوع بين مكوناتها تحت راية برنامجها الموحد.
مقالات ذات صلة
مقالة الوداع
تهافت خطاب “الشيعية السياسية”
قمة التطبيع