26 تشرين الثاني 2022
لو كانت «قوى الممانعة» قادرة على الإتيان برئيس من صفوفها لفعلت. المسألة لا تتعلق بعدد الأصوات. هي غير قادرة حتى لو كانت الأكثرية النيابية إلى جانبها، السبب هو أنّ مشروعها السياسي بلغ ذروته وهو في مرحلة الأفول. أما آن أن يتأكد رئيس البرلمان من ذلك؟ لم يعد المشهد مملاً فحسب بل إنّ المسرحية الهزلية بلغت حدّ التفاهة، لأنّها تضمر استخفافاً بوعي المواطنين وإمعاناً في تعذيبهم على أبواب المصارف والمستشفيات وفي قهر الكثيرين منهم على أبواب الجوع والعوز.
نواب الأمّة ينتظرون، هذا واضح كشمس الظهيرة. كلهم، على اختلاف مواقعهم في الموالاة أو في المعارضة، ينتظرون «الترياق من العراق»، ويستجدون المساعدة لا بالأموال فحسب بل بتوافق القوى الخارجية على رئيس للجمهورية اللبنانية.
أن يكون النافذون والمرشحون المعلنون والمضمرون في وضعية الانتظار فهذا أمر مفهوم، لكنهم، عن قصد أو عن غير قصد أو عن سوء نية، يجعلون من أعضاء الكتل المؤيدة لهم «كالعيس في البيداء يقتلها الظما» بانتظار أن تهبط عليهم التعليمة من خارج الحدود. إنّ في عملهم هذا تحقيراً معيباً لممثلي الأمة الذين يحقّرون بدورهم من أولاهم الثقة من الناخبين.
يقول الشاعر، «بدون النظر إلى ساعة الحائط أو مفكرة الجيب أعرف مواعيد صراخي». الشعب قام بواجبه ولم يقصّر أبداً. بدأ الصراخ في أعوام 2013 و2015 و2017 وبُحّ صوته في 17 تشرين 2019 وأعلن الثورة على الفساد والفاسدين وعلى منتهكي الدستور والمتاجرين بالقمامة وبالمشاعر الطائفية، والبائعين كرامة الوطن، ومقوّضي سيادة الدولة على أرضها وعلى حدودها. فماذا تنتظرون بعد، يا نواب الأمة، لتدافعوا عن كراماتكم الشخصية؟ أم أنكم ترتضون أن يؤتى بكم إلى القاعة لتكملوا أعداداً محسوبة بدقّة إن حضرتم أو قاطعتم، ثم يقف بعضكم على منصة التصريح لينطق بلغوٍ من كلام العجزة والجهلة؟
ما كان لخطابيْ الممانعة وخصومها أن يسودا لولا رسوخهما في عقول كثيرين من جمهور المتحمّسين على الجانبين. المؤيدون والأتباع على الجبهة الأولى ما زالوا يحلمون بعودة الشيخ إلى صباه وبإحياء عظام اليسار القديم والقوميات «الشوفينية» والأصوليات الدينية، ويتوهّمون أنّ بإمكانهم تحرير فلسطين قبل أن تتحرر بلدان العالم العربي من أنظمة الاستبداد وأحزابه، وقبل أن تتركز في عقولهم مفاهيم صحيحة وسليمة عن الدولة والديمقراطية.
على الجهة المقابلة، يطالبون بعودة الدولة ويشهرون، في الوقت ذاته، أسلحة كلامية لا تُستخدم إلّا في الحروب الأهلية، فيستعيدون بطولات الماضي ويستذكرون الشهداء وينددون بالقتلة ويرمون في وجه «الثنائي الشيعي» حرم العزل الذي سبق أن رمي ذات يوم في وجه «الكتائب» و»الجبهة اللبنانية»، أو ينشدون، حين ييأسون، تقسيم الوطن غير القابل للتقسيم إلى فدراليات يصيح فيها ديوك الطائفية كل على مزبلته.
سلاح «حزب الله» جزء من أزمة، لكن ليس هو الأزمة. وخطأ «حزب الله» لا يكمن في سلاحه، فهو بهذا السلاح حرر الوطن من الاحتلال. خطأه سياسي كأخطاء من سبقوه إلى مغامرة إلغاء الوطن والدولة، والحلول سياسية أيضاً. مشروع الشيعية السياسية ليس وحده الانتحاري، فقد سبقته لاحتكار السلطة وممارسة الاستبداد في الحكم قوى حملت هي الأخرى أوهاماً أصغر من الوطن أو أكبر منه وأحلاماً سلطوية استقوت بالخارج واستدرجته، ثم انتهت قبل أن تصحو على هزائمها.
الإصلاح مستحيل إذا تولّاه دعاة الحرب ولهذا فهو صعب بالتأكيد على «حزب الله» الذي ينتظر الخارجون من عقل الحرب الأهلية خروجه هو الآخر منها ليباشروا ورشة إعادة البناء. ولن ينجحوا إلّا إذا انطلقوا من النقطة التي بدأ منها تدمير الدولة.
بالعودة إلى الدستور يبدأ الحل والإصلاح ويعاد بناء الدولة. أمّا كيف نبدأ من السياسة لا من السلاح، فالوطن غني بالكفاءات وللحديث تتمة.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان