14 كانون الأول 2022
ليست المرّة الأولى التي يُدعى فيها إلى طاولة للحوار. تكررت الدعوة مرات برعاية رئاسة الجمهورية أو بإدارة حكومات قائمة، وفي حالات الشغور كان ينعقد الحوار تحت خيمة دولية أو برلمانية. وهي كلها مصممة لوقف الحروب أو لتفاديها.
الحوار الأول حصل داخل «هيئة الحوار الوطني» التي تشكلت في 24 أيلول 1975، بعد أشهر من اندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان، وكانت بإشراف رئيس الجمهورية الياس سركيس. في أيلول 1986 عقدت الحكومة جلساتها كهيئة حوار وطني في عهد الرئيس أمين الجميل. في أيلول 2008 انعقد الحوار في القصر الجمهوري في عهد الرئيس ميشال سليمان ثم تكرر في 2012 وصدر عنه إعلان بعبدا.
مؤتمر جنيف انعقد في خريف 1983؛ مؤتمر لوزان في شتاء 1984؛ مؤتمر الدوحة في ربيع 2008، بعدما مهدت له طاولة حوار دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في كانون الأول 2005 وانعقدت في آذار 2006 في عهد الرئيس إميل لحود، واستمرت مفاعيلها إلى ما بعد خروجه من قصر بعبدا.
لم يفض أي حوار منها إلى حلول لأنّ القوى الميليشيوية المشاركة كانت ترى فيه وقتاً مستقطعاً ترتاح خلاله لتعود بعده وتستأنف مناوشاتها على متاريسها العسكرية الثابتة.
الحوار الوحيد المثمر انتهى بنجاح جسّده اتفاق «الطائف» الذي أوقف الحرب الأهلية. نجاحه عائد إلى كون الميليشيات ليست مشاركة فيه بعدما خارت قواها وأنهكتها الحرب غداة معارك عون والقوات ومعارك «أمل» و»حزب الله»، وإلى أنّ المتحاورين هم من تبقى من البرلمان المنتخب قبل انفجار الحرب الأهلية. لكنّه نجاح جزئي لأن القوى الميليشيوية التي أشرفت على تنفيذه برعاية نظام الوصاية لا مصلحة لها في إخراج الوطن من حالة الحرب.
حوار آخر نجح ولم يثمر لأن المشاركين فيه لم يكونوا أصحاب قرار لا في السلم ولا في الحرب، بل هم ناشطون في هيئات ثقافية ونقابية وفي مؤسسات المجتمع المدني، شاركت فيه مع الصديق عصام خليفة كممثلين للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي والحركة الثقافية في أنطلياس، حضروا إلى باريس على نفقة الدولة الفرنسية، قبيل مؤتمر الطائف، واستمعوا إلى محاضرات وأصغوا إلى نصائح، وتمكّنوا بعد جهد جهيد من إصدار بيان خجول «ابتعد عن شر المتحاربين من غير أن يغني لهم».
خروج لبنان من حالة الحرب لم يكن ولن يكون في حاجة إلى حوار بل إلى قرار. هذا ما أثبتته تجربة الخروج من بروفا الحرب الأهلية عام 1958، حين واجهت الشهابية الرؤوس الحامية بقرارين، الأول قضى بتشكيل حكومة من اثنين من الموارنة واثنين من السنة، فكانت الأهم في تاريخ الجمهورية، ولم تشك الطوائف غير الممثلة فيها من «ميثاقيتها ودستوريتها وشرعيتها». القرار الثاني عنوانه التقيّد بأحكام الدستور، أو العودة إلى ما يقوله «الكتاب» بحسب تعبير الرئيس فؤاد شهاب.
طاولات الحوار تعلمت الدرس الشهابي بالمقلوب فذهبت إلى محاصصات رخيصة باسم الطوائف، وانتهكت الدستور، وأشركت ميليشيات هي، بالتعريف، معادية للدستور والدولة.
كرئيس للبرلمان تولى الرئيس بري الدعوة إلى طاولة الحوار مرتيْن في ظل شغور رئاسي، وفي المرتين كانت حركة «أمل» التي يرئسها تذهب إلى حوار آخر أبطاله شرطة المجلس وميليشيات خندق الغميق وحلفاؤها من أصحاب «القمصان السود» وراكبي الموتوسيكلات، أو يمتنع ممثلوها في البرلمان عن القيام بواجبهم الدستوري فيشاركون في تعطيل النصاب في جلسات انتخاب رئيس للجمهورية.
ألا يرى الرئيس بري معنا أن هذا المشهد يجعله أبعد من أن يكون راعي حوار وأقرب إلى الشريك في إطالة أمد الشغور وفي استغباء اللبنانيين؟
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان