17 كانون الأول 2022
أنا أو لا أحد. إمّا الصهر أو لا حكومة. إمّا ميشال عون رئيساً أو لا رئيس. العبارات مقتبسة من خطابات «حزب الله» و»التيار البرتقالي»، لكنّها لا تعنيهم وحدهم، بل هي ثقافة عامة معمّمة، ولم يكن الجنرال عون في حربي «التحرير» و»الإلغاء» هو البادئ. كل المحاربين سلكوا الدرب نفسه.
لبنان للبنانيين، إمّا أن تحبه أو أن تغادره، قالها حزب الكتائب فكان الردّ الصاعق بالدعوة إلى عزله. من لا يقبل الآخر يذهب إلى مواجهته إمّا «قاتلاً أو مقتولاً». رفض الآخر تحوّل في الحرب إلى ثقافة وصار جزءاً عزيزاً من تقاليدنا السياسية، ثم تعمّم على كل ميادين النشاط، بما فيها الفن والرياضة وكتابة التاريخ، ثم غدا مع لقاحات الاستبداد خياراً إلزامياً ووباء، عدد الناجين منه قلة قليلة.
ذات اجتماع حزبي سأل أحد الظرفاء، باختصار، نحن مع من؟ كنا نستعرض تفاصيل الصراع الخفي بين حافظ الأسد وأبو عمار. كانت ظروف الحرب تلزم المناضلين بمثل هذه الخيارات الصعبة. إن لم تكن مع سوريا فأنت مع إسرائيل. إن لم تكن مع طروحات «حزب الله» فأنت من «شيعة السفارة» أو عميل للسعودية و»الشيطان الأكبر» ومتآمر على المقاومة.
هذا ما انتهينا إليه. غير أنّ «الخيارات الإلزامية» بدأت مع الرصاصات الأولى. إمّا أن تكون «وطنياً» أو «انعزالياً». إمّا أن تكون مع «الجبهة اللبنانية» أو مع «الحركة الوطنية». هذه الخيارات دفعت الشعب اللبناني نحو هجراته الداخلية والاغترابية. إمّا أن تكون مع القوات أو أنت كتائبي رجعي. إمّا مع قيادة الشيوعي الممانعة أو أنت تحريفي وحريريّ ومرتدّ. إمّا مع 8 أو مع 14 آذار.
في الرياضة مع النجمة أو مع الأنصار وإلا فمواجهات بالزجاجات الفارغة في ملعب فؤاد شهاب في جونية، أو أعمال تخريب في منشآت المدينة الرياضية وتحطيم سيارات في الجوار. إمّا الرياضي إما الحكمة وإلا فاتحاد كرة السلة في مهبّ العقوبات التأديبية. إمّا مع رونالدو أو مع ميسي، ولكلّ مشجع علم ودولة وفريق ومنتخب.
هذا كلّه نتاج الفكر الغيبيّ المبني على ثنائيات. قابيل وهابيل، الجنة والنار، الملاك والشيطان، الإيمان والإلحاد، ولا محل، في نظر المتشدّدين، لخيار شيعي ثالث بين «أمل» و»حزب الله»، أو بين ستالين وتروتسكي، أو بين الشيوعيتين الصينية والسوفياتية، أو بين وارسو والأطلسي. وعليك أن تختار إمّا زيلنسكي أو بوتين.
ضحايا هذا الوباء محازبون يحلفون بحياة «الحزب» وبخطه السياسي، وما الخط إلا ما يتفتق عنه عقل القيادة. الأحزاب بقدر ما هي ضرورة هي في الوقت ذاته آفة.
إنها توكل التفكير، لا إلى القيادة بل إلى حفنة منها. هذا انتهاك لحقوق الإنسان، لحرية الإنسان الفرد. يرتاح الحزبي لوجود من يفكر عنه، من يعطل ملكة تفكيره، وما عليه سوى التعهّد المسبق بالموافقة على أفكار جاهزة. حذار أن تنتقد تلك الأفكار وإلا فأنت من المرتدين. ألم يكن الانتساب إلى بعض الأحزاب بمثابة خيار لا رجعة عنه تحت طائلة القتل؟
اختيار الرئيس اختبار فاضح لبرلمان وبرلمانيين يدّعون أنهم أسياد، ومعظمهم ليسوا سوى سادة الانتظار. المقترع لمرشحه مُدان والممتنع مُدان والمعطل مُدان. إمّا أن تكون مع الممانعة ويأتيك الوحي من دمشق أو من طهران، أو تكون خصمها وتنتظر القرار من عواصم القرار. إن كنت سيادياً فأنت عدو المقاومة. يحق لك أن تكون تغييرياً شرط الالتزام بما يُملى عليك. لا أظن أديم العقل هذا إلا من ثقافة الاستبداد الحزبي، ثقافة إلغاء الآخر.
وضع قطار الإصلاح على سكته يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية. فهل يحتاج المجلس النيابي إلى تعديل في سلوكه حتى يكون سيّد نفسه ولو لمرّة واحدة؟
مقالات ذات صلة
طوفان عيوب في حرب الإسناد
حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني
هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟