18 كانون الثاني 2023
كلّ شيء فيه تافه، إلا أنّ انهياره سيكون صاخباً وقوياً. بعدما رُفع إلى القمة على سلم من السذاجة والوهم وحُمل على الأكتاف، ها هو آيل إلى السقوط. بعد الهزائم، وحدهم المستبدون يبقون في القمة، أو ينتحرون مثلما فعل هتلر. في أنظمة الاستبداد وحدها يتولى أبطال الحرب والتدمير إعادة البناء، أما في الديمقراطيات فلا يحتاج السقوط إلى زلزال مالي ونقدي ولا إلى جوع وفقر وموت على أبواب المستشفيات. يكفي حادث اصطدام بين قطارين ليستقيل وزير على الأقل إن لم تستقل الحكومة كلها.
كُثر من بين أفراده يتمتعون بكفاءات عالية، ولنا بين أعضائه أصدقاء أعزاء. لكن الخلطة في داخله لم تنجب غير التفاهة. والأمل معقود على الكفاءات والصداقات بألا يقرأوا التفاهة كشتيمة. إن هي إلا توصيف لسلوك سياسي تنقصه الكفاءة، يتجلى في أعمالهم وتصريحاتهم وفي مؤتمراتهم الصحافية أو في تعبيرات أفراده على وسائل التواصل.
قيادة «التيار» رأت في تحرك ذوي الضحايا مؤامرة على عمل الوفد القضائي الأوروبي. حكم لا يقره منطق ولا يصدقه عقل. إحداهن قالت عن وليم نون، إنه «زبون، لكن من دون واو ونون». ذروة انعدام الأخلاق. أليست هذه المفردات من ثمار عبارات مثل «أوطى من بطن السقاية» و»تحت زناري». ماذا سيبقى إذا حذف معيار المنطق ومعيار الأخلاق من سلم القيم؟ لا شيء غير وهم لم يولد مع تسونامي في انتخابات 2005، بل مع حشود أطربتها حربا التحرير والإلغاء فصح عليها مثل الهر ولحس المبرد.
حكم «التيار» البلد مباشرة أو بالواسطة أو بالتشبيح والبلطجة منذ اغتيال رفيق الحريري حتى خريف 2022، وحين يسأل رأيه في الأزمة يصر على تحميلها لمن كان «إبراؤه مستحيلاً» ثم صار ممكناً بقدرة قادر وما القدرة إلا هوس السلطة الجارف.
في نهاية النصف الأول من ولايته لم ير الرئيس ميشال عون مستقبلاً للبنان غير الجحيم، وفي النصف الثاني «ناضل» بلا كلل لكي تتحقق بشارته، وعند خروجه من القصر طالب بانتخاب من يكمل ما أنجزه على رأس الجمهورية في السنوات الست وما أنجزه على رأس التيار في عقدين. «كنا في أحلى الفنادق جرجرنا التيار وحلفاؤه عالخنادق» ولا نظن العبقري زياد الرحباني يعترض على الاقتباس.
الاقترافات وتصنيفها شأن قضائي. هل هي خيانة وطنية أم انتهاك للدستور أم عمالة للأجنبي؟ أو هي مجرد مناكفات سياسية بين الخصوم. لكن البحث عن حل لأزمة لبنان المستدامة وغير المستعصية ينبغي حصره في مقومات بناء الدولة، وعلى رأسها الكفاءة وتكافؤ الفرص. «التيار» يشكو من فقر مدقع في هذا المجال، فتصرّف كسلطة من موقع المعارضة وكمعارضة وهو يمسك بزمام السلطة.
«آه لو نتبادل الأوطان كالراقصات في المقهى»، قالها الشاعر محمد الماغوط عن يأس. رئيس «التيار» حارب الجميع بلا حساب، ثم صادقهم أو تحالف معهم بلا مراجعة. التقى بالإسرائيلي في الاحتلال وسعى، بحسب مزاعمه، إلى معاقبة سوريا في واشنطن، وكان قد انحاز إلى صدام، لقاء بدل مالاً وسلاحاً، ضد غريمه حافظ الأسد، وسبحان من جعله يبدل الأدوار كالراقصات في المقهى. انقلابات غير مقنعة نتساهل في تصنيفها نتيجة فقر في الكفاءة السياسية.
أمّا عن كفاءة بالمقلوب لدى خليفته فحدّث ولا حرج. وهذا موضوع مقالة لاحقة.
مقالات ذات صلة
نعم انتصرنا
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية