25 نوفمبر، 2024

حكايتي مع بشير الجميل

14 كانون الثاني 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/138058

مناسبة المقالة موقف أطلقه الرفيق صلاح صلاح القيادي في «منظمة التحرير الفلسطينية»، في مقابلة تلفزيونية بثت بتاريخ 10-1-2023، ضد بشير الجميل وحزب «القوات اللبنانية»، رأى فيه أنّ سياسة هذا الحزب تجاه القضية الفلسطينية لم تتبدل عما كانت عليه خلال الحرب الأهلية اللبنانية، بل هي في نظره، أسوأ مما تجلت به في مخيم تل الزعتر، أو خلال الاجتياح الإسرائيلي في مجازر صبرا وشاتيلا، ضد الوجود الفلسطيني، وأظنّه يقصد الوجود المسلح.

نقاش الموقف من القضية أكبر من أن تتسع له مقالة صحافية. الاختلاف في المواقف أساسه اختلاف في المعايير، سرعان ما تحول إلى حرب بين أولوية حماية الثورة الفلسطينية وسلاحها وأولوية حماية نظام المارونية السياسية وهما معياران مغلوطان تمّ التراجع عنهما جزئياً عند نهاية الحرب الأهلية لصالح معيار وحدة الوطن والدولة.

زيارة جورج حاوي إلى غدراس للقاء سمير جعجع ترجمت التراجع سبيلاً للمصالحة الوطنية. محسن ابراهيم عبّر عن ذلك بقوله «إننا حمّلنا لبنان فوق طاقته حين أبحناه للمقاومة الفلسطينية». وسمير جعجع في تخليه عن مشروع لبنان «الصغير» بين المدفون والأولي لصالح لبنان «الكبير» بين القليعات والقليعة. أمّا «منظمة التحرير» فاختصرت أهداف نضالها المرحلية بإقامة دولة فلسطينية على أيّ شبر يتحرر من أرض فلسطين.

للأسف لم يتم الالتزام بالمواقف المتقاربة لهؤلاء القادة وظلت العلاقة محكومة بمعايير الصراعات والحروب. لكن لم يصرف النظر عن الأهمية التي توليها شعوب المنطقة لمعيار الدولة، الذي على أساسه يبنى التقارب والتعاون بدل الصدامات، وعلى أساسه رأينا أنّ اتفاق القاهرة كان أكثر كلفة على لبنان من «أيلول الأسود»، بالرغم من فداحة الخسائر البشرية الفلسطينية، ذلك أن الدولة في الأردن ظلت صامدة بعد مجازر أيلول، فيما كان اتفاق القاهرة عدواناً على سيادة الدولة اللبنانية وواحداً من أسباب انهيارها اللاحق.

قبل الربيع العربي لم يلتزم أحد بمعيار الدولة، لا الحكام ولا الأحزاب المعارضة، ذلك لأنّها كانت أنظمة لا تعترف بدساتير، أو أحزاباً شمولية على اختلاف ينابيعها الفكرية تجافي الديمقراطية، أي لا تعترف بالآخر وبحقه بالاختلاف وبالتعبير، بل ولا بحقه بالوجود. أمّا الدولة فهي تكفل تنظيم الاختلاف من دون أن تلغيه ليعيش المختلفون متساوين تحت سقف الدستور والقوانين.

بشير الجميل، الذي كان موضوع الحلقة التلفزيونية، يمكن النظر إليه كواحد من رموز الحرب، لكنه أيضاً واحد من رموز الدولة ولا تنتقص من هذه الرمزية الظروف التي انتخب فيها رئيساً للجمهورية، فهو ليس الرئيس الوحيد الذي كان العامل الخارجي محسوباً في عداد ناخبيه. فضلاً عن أن احترامه واجب لا يمليه المقام الرئاسي فحسب بل موقعه الاعتباري في نفوس محبيه الفائضين عن الإطار الطائفي.

حكايتي مع بشير الجميل طويلة وقد رويتها في مقالة بعنوان «أسرار من شهر بشير الجميل»، موجودة على العنوان التالي https://drmoukaled.com/articles/almodon/1062. حذرت على المنابر من نهجه «الفاشي» مثلما سمعت الإشادة بمواقفه على لسان مسلمي مدينة صيدا، ثم سعيت مع الساعين إلى الطعن بانتخابه. رداً على اغتياله، خطفت «القوات اللبنانية» أحد أقرب رفاقي في الحزب الشيوعي وقررت اغتيال عدد آخر منهم وأنقذني من تنفيذ القرار عنصر قواتي جمعتني به علاقة «خبز وملح» فحسب، فيما حاول شقيقه، من لحمه ودمه وحزبه، الدخول عنوة إلى منزلي لاحتلاله.

كان ذلك من فصول الحرب وآلياتها قبل اتفاق «الطائف». بعده، نقلتني قراءتي الحرب الأهلية بعين نقدية إلى الوقوف بجرأة ضد من ظل متمسكاً بمفرداتها مفرّطاً بالوحدة الوطنية، وإلى الدفاع عن كل من يستخلص منها دروساً إيجابية ويحرّم على نفسه الانخراط فيها مجدداً. وحين رفعت باكراً شعار «لا حل إلا بالدولة»، انفجرت الخصومة في وجهي من جميع الجهات، لأن الظروف لم تكن مؤاتية، ولم تنضج إلا حين بلغ تخريب الدولة ذروته الميليشيوية في عهد الرئيس ميشال عون.

الحرص على الوطن يعني الحرص على سيادة الدولة، ومبتداه نقد الحرب الأهلية ومغادرة منطقها ولغتها ومصطلحاتها وآلياتها، ومنتهاه الاختلاف داخل الوحدة والاحتكام إلى القانون.