11 كانون الثاني 2023
يعيش لبنان مخاض التغيير. لا القديم مات ولا الجديد اكتملت ملامحه. الآلام كثيرة والمواجهة صعبة. لبنان شعباً ودولة وثورة في خضم التحديات. أولها التمادي في تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية. كلما تأخر الانتخاب يوماً تأخر حل الأزمة أشهراً. هذه حال بلد اختارت الثورة فيه أسلوب التغيير تحت سقف الدستور، ما يعني أن قطار الدولة لا يوضع على سكته إلا بوجود رئيس في قصر بعبدا.
الحوار الصامت بين القوى السياسية يستخدم مناورات مسيئة إلى موقع الرئاسة، أياً يكن الرئيس. لا انتظار التوافق الخارجي مُجدٍ لأن الرئيس سيكون مرتهناً لمن يأتي به، ولا موقف المعارضة الرتيب مرضٍ لأنه يظهرها عاجزة عن كسر الجمود، ولا حوار الطرشان الافتراضي يصنع توافقاً داخلياً لأنه أقرب إلى المناورات منه إلى الرغبة بالتفاهم، ولا الورقة البيضاء تخفي مراوغة الثنائي الممانع الساعي إلى تأمين أغلبية لمرشح «سري» لم يعد اسمه خافياً على أحد، خصوصاً بعد تسريب معلومات عن احتمال مشاركة قوى سيادية في تأمين تلك الأغلبية، مع ما في ذلك من خطر لا على مصير المعارضة وحدها بل على مصير الوطن.
قوى المعارضة البرلمانية استهوتها لعبة الأرقام، مكررة سيناريو التعطيل الرئاسي السابق. عدد الجلسات فاق الخمسين في المرة السابقة. وفي المرتين، الثلثان والنصف زائداً واحداً رقمان ثابتان عند 86 و65. عدد الأوراق البيضاء وغير البيضاء مثل البورصة. التنافس على ترشيحات تجريبية بانتظار الانتقال إلى «الخطة باء». هذا ليس عملاً برلمانياً، بل هو أقرب إلى لعبة «الغميضة» بين صبيان الحيّ. المعارضة غارقة في التعداد، فيما قوتها تقاس بما حققته الثورة في الساحات وما أفرزته في البرلمان. التغييريون ليسوا وحدهم بل معهم كل من فاز بمقعد نيابي من خارج الممانعة. هي قادرة على خوض معركة الرئاسة لا من موقع قوتها العددية فحسب بل من موقع تمثيلها الشعبي ووضوح مشروعها السياسي المتمحور حول إعادة بناء الدولة.
المواجهة قائمة إذاً بين نواب قادمين بكل اعتزاز بقوة الحبل البشري ممتداً من الناقورة إلى النهر الكبير والعرض المدني في عيد الاستقلال طلاباً وفنانين وجامعيين وأساتذة وممرضين وأطباء ومهندسين ومتقاعدين، ونوابٍ لم يخجلهم وصولهم إلى البرلمان بأصوات مشحونة بالغرائز الطائفية وبقوة «القمصان السود» وراكبي الموتوسيكلات وحاملي الهراوات والمهربين وتجار المخدرات.
في التحدي الثاني، يظن البعض أن لجنة التدقيق المالي الدولية هي الترياق، ويحسبونها سبيلاً صالحاً لمحاسبة الفاسدين، فيما هي مهتمة في انعكاسات الفلتان المالي اللبناني على منطقة اليورو، خصوصاً في مجال تبييض الأموال.
بصرف النظر عن أهدافها، فهي تقدم، في هذا الوقت بالذات، خدمة جليلة لمعرقلي الحلول، لأنها تصوّب عن غير قصد على الجانب المالي من الأزمة فيما منبع كل الأزمات فساد سياسي يمعن الحكام بارتكابه بانتهاكهم الدستور والقوانين وتشريعهم نهب المال العام وصم آذانهم عن آلام المواطنين ومطالب الثورة والمناشدات، جاعلين من انتخابات الرئاسة مادة للتسلية.
ثالثة البدع في تضليل الرأي العام وتضييع الحقيقة مسرحية المحاسبة الإدارية. لا شك أن الفساد بات جزءاً من النسيج الاجتماعي، وأن محاكمة الفاسدين شرط لازم في أي عملية إصلاح. لكن، من يحاسب من في دولة منهارة وفي ظل قضاء انتهك السياسيون حرمته وعاملوه كملكية خاصة لا كسلطة من ثلاث في نظام ديمقراطي؟ وأي صدفة حصرت الفساد في منطقة نفوذ النيابة العامة في جبل لبنان وحدها؟
لا أحد فوق القانون. لكن الحلول كلها مستحيلة والمعالجات خاطئة إن لم يبدأ الإصلاح من السياسة. الخطوة الأولى انتخاب رئيس للجمهورية وبعدها يتولى القضاء المستقل محاكمة المرتكبين، السياسيين منهم بالأولوية لأنهم أصل كل فساد، ثم سائر المسؤولين عن أنواع الفساد الأخرى.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان