18 آذار 2023
ما شهده ملعب فؤاد شهاب في جونية خلال مباراة في كرة القدم بين فريقي العهد والأنصار يشبه الهجوم الذي شنّه أقرباء أحد المرضى على قسم الطوارئ في مستشفى راغب حرب، ويشبه إطلاق النار من على الأسطح المجاورة لملعب نادي الصفاء في وطى المصيطبة.
قلم الزميل عماد موسى الساخر استذكر، في مقالة له عن «غضب الملاعب» «مآثر الجمهور البريطاني العظيم العنفية وسلوك جماهير آنتراخت فرانكفورت الألماني وبازل السويسري وليخ بوزنان البولندي» ورأى أننا، في ملاعبنا، «نتمثل بالرعاع والمجانين» في ملاعب أوروبا.
ما حصل في جونية ليس انعكاساً للصراع السني- الشيعي في لبنان أو في المنطقة، وما حصل في المستشفى لا يعبر عن احتقان شيعي شيعي في الجنوب، وما حصل في وطى المصيطبة لا يعبر عن غضب درزي على فريق مسيحي.
المشترك الظاهر هو الشغب والغضب والتشفي من المنشآت الرياضية أو من الأجهزة الطبية أو من الفضاء الرحب، أمّا المشترك المضمر، وهذا هو الأخطر، فهو ميل جمهور الملاعب إلى تخوين الحكم واتهامه من قبل الفريق الخاسر بالانحياز، أو رغبة الجمهور في تحصيل حقه «بيده» على باب المستشفى كما على باب المصرف، أو تعبير الجمهور، كما هي العادة في بلادنا، عن فرح أو حزن أو غضب بإطلاق النار حتى لو أصاب الرصاص الطائش رأس طفل في سريره أو زجاج سيارة في الشارع أو هيكل طائرة في السماء.
وجه الشبه المضمر مطابق، لا لما يحصل في ملاعب أوروبا، بل لما حصل مع لاعب منتخب كولومبيا أندريس إسكوبار. سجل عن طريق الخطأ هدفاً في شباك منتخب بلاده، اغتيل بعد عودته بأيام. لم ينتظر الجمهور حكم القضاء ولا حكم المدرب ولا حكم السماء. فهل وصل عشق كرة القدم إلى حدّ فقدان العقل؟
في أوروبا بلغت عقوبة الاعتراض غير المهذب على حكم المباراة حدّ طرده بالبطاقة الحمراء من الملعب، وعقوبة الاعتداء الجسدي عليه حدّ حرمان المعتدي مدى الحياة من دخول الملاعب. الحزم في سن القانون وفي تطبيقه هو الكفيل بإطفاء الغضب.
الحكم هو الذي يجسّد القانون في الملعب، وهو المرجع الذي يتقاضى أمامه اللاعبون وينفذون أحكامه، ولهم حق الاعتراض والاحتجاج أمام محكمة الـ(var) المستحدثة، أي الكاميرات، أو أمام اتحاد كرة القدم المحلي أو القاري أو الدولي، وقرارات الحكم مبرمة حتى لو كانت خاطئة، وإلا فالبديل، «كل يأخذ حقه بيده».
ما يحصل في لبنان هو من أعراض الأزمة السياسية. الهتاف «الله، سورية، بشّار وبس» خير دليل على أنّ جذور الغضب ليست طائفية بل سياسية بامتياز، وهي من ثمار التربية على العنف، ومن ثقافة عدم احترام القانون، وهذا ناجم عن ضعف مفهوم الدولة وضعف حضورها في الوعي العام. وهذا بدوره ناجم عن تعميم ثقافة ميليشيوية تأسست مع الحرب الأهلية وانتقلت بعد الطائف من الشارع والمتراس إلى أجهزة السلطة، ولم ينتبه البرلماني الشاب في ملعب فؤاد شهاب إلى أنّ غلطته كمسؤول، حين كان أول المعترضين على الحكم، تضاهي ألف غلطة.
لا يكفي تغريم النادي ومعاقبته وحرمان جمهوره من الدخول إلى المدرجات، وإلزامه بترميم ما جرى تخريبه من المنشآت. ستتكرر هذه الأحداث إن لم تعالج بالحزم وبالتربية على احترام القانون.
حتى في هذه الحادثة، لا حل إلا بالدولة.
مقالات ذات صلة
نعم انتصرنا
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية