18 أبريل، 2024

13 نيسان: في نقد النقد(1)

19 نيسان 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/163139

ها نحن نبتعد نصف قرن عن لحظة انفجار الحرب الأهلية في لبنان. جيل 13 نيسان دخل في مرحلة كهولته وكان قد نشأ على المتاريس، مع ذلك ما زالت روايته هي السائدة والمهيمنة على رواية كتبت بأقلام المحاربين لتنقل المتاريس من الشوارع إلى العقول، ولتورث أفكاراً محصلتها عنف ودماء ودمار.

تكرار السرديات ذاتها يعني تكرار المآسي ذاتها أضعافاً مضاعفة. وقراءة أحداث التاريخ بعيون المحاربين قراءة حربجية بالتأكيد. المحاربون ليسوا فحسب حملة السلاح بل هم أيضاً من اختاروا مراقبة الحرب من بعيد كأنها لا تعنيهم. والحقيقة أنه «لا تسقط ورقة من شجرة إلا بعلم الشجرة جميعاً». نعم، نحن المواطنين اللبنانيين، كلنا مسؤولون عما حل ببلدنا، والفارق بين من قاتل بسلاح ناري أو أبيض أو بالأفكار، ومن تفرج ومن راقب من بعيد فارق كميّ فحسب.

يبدأ النقد من مسؤولية اللبنانيين جميعاً عن حروب ومعارك خاضوها بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن سواهم. يبدأ من النقد الذاتي أما نقد الخصوم فهو شحنة إضافية لتأجيج المشاعر وشحن النفوس وتجهيزها للمعارك.

السرديات المعتمدة تستند إلى نقد الآخر لا إلى النقد الذاتي. الجبهة اللبنانية أدانت السلاح الفلسطيني واليسار الدولي واتفاقية القاهرة. الحركة الوطنية صوبت على المارونية السياسية، الأحزاب القومية اكتشفت مؤامرة أميركية صهيونية على القضية الفلسطينية، وفي نظر آخرين عكست الحرب صراعاً بين معسكري الثنائية القطبية، وفي نظر الإسلاميين هيمنة مسيحية على الدولة وأجهزتها. ذلك يعني أن كل طرف يحمّل خصمه المسؤولية.

على كل طرف أن يراجع روايته عن الحرب. أن يقرأها قراءة نقدية. أن يرى أين يتحمل هو المسؤولية عما حصل ويتوقف عن نقد سواه. أن ينطلق من اليقين بأنّ للخصوم أيضاً رواياتهم وأنّ على كل مشارك القيام بمراجعة سلوكه ونقد ممارساته، لكي يتمكن من وضع برنامج جديد وخطة عمل ومن صياغة خطاب يهدف إلى تشكيل وعي وطني ديمقراطي. إذاك يكون قطار النقد قد وضع على سكته الصحيحة.

تبدأ المراجعة من نقد خطيئة ارتكبناها جميعاً بحق الوطن وبحق الدولة، يوم قرر كل منا انتهاك السيادة وخرق الحدود بحثاً عن بديل لوطن إسمه لبنان ولدولة هي دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص.

حزب وحيد اختار السفر في رحلة المراجعة هذه هو حزب الكتائب، لكنه توقف في قاعة المغادرة بانتظار من يرافقه لاستكمال رحلة، شرط نجاحها ألا تكون إفرادية. الآخرون منهم من اكتفى بنقد مجتزأ، كالشيوعي والاشتراكي والقوات، فيما امتنعت غالبية أطراف النزاع عن القيام بهذه العملية لتتابع شحن جمهورها بوعي طائفي ومذهبي وبنكء جراح الماضي وتهيئة المناخ لاستئناف المعارك. أما «حزب الله» فتظاهر بالبراءة من تهمة الانتماء إلى الحرب الأهلية وحجته الواهية أن الحرب سابقة على ولادته، مع أنه متلبس، ومعه أطراف الممانعة، باستحضار كل عدتها وأدواتها المسلحة وغير المسلحة.

لم يكن بالإمكان أفضل مما كان. هذا لا يبرر الحرب بل يحمل دعوة إلى التعلم من دروسها. أزعم أنني أعدت قراءة التجربة الشخصية والحزبية، ونشرت كتاباً يحمل عنوان «أحزاب الله» ضمنته نقداً ذاتياً قاسياً من غير ندم ولكن من غير ادعاء البراءة أيضاً.

فرقاء الحرب الأهلية المستمرة سأساويهم بنفسي وسأكتب ما تلكأوا عن كتابته، آملاً في أن تشكل مقالاتي اللاحقة مادة نقاش صريح حول حرب أهلية كان الثالث عشر من نيسان محطتها الأكثر دموية.