7 حزيران 2023
هل يستخدم مصطلح «صيغة» في غير لبنان عند الكلام عن النظام. أنظمة السلالات، النظام الملكي، الجمهوري، التوتاليتاري، البرلماني، الأوليغارشي، الميليشيوي، الرئاسي، الدكتاتوري، الفدرالي، الكونفدرالي، وغيرها. «الصيغة» هي من أعراض الفرادة اللبنانية. كلما حشر فريق سياسي في تهمة فساد سياسي أو إداري أو مالي هدّد بتعديل الصيغة، وكلما شعر بفائض ضعف أو فائض قوة هدد بمؤتمر تأسيسي.
الجهة الوحيدة التي قدمت برنامجاً للإصلاح السياسي، بصرف النظر عن محتواه، هي الحركة الوطنية اللبنانية. الوثيقة الدستورية التي أعلنها الرئيس سليمان فرنجية عام 1976 اقتصرت على مساواة المسلمين بالمسيحيين داخل النظام. ما صدر عن مؤتمري جنيف ولوزان، في 1983 و1984 لم يكن سوى توصيات ذهبت أدراج الرياح. الاتفاق الثلاثي الذي وقعه نبيه بري ووليد جنبلاط وإيلي حبيقة عام 1985 كان، بحسب حسن الرفاعي، بمثابة «تلغيم سوري للدستور اللبناني». اتفاق الطائف أوقف الحرب الأهلية وهذه ليست فضيلته الوحيدة.
مفردة «الصيغة» وردت في وثيقة الجبهة اللبنانية عام 1981، وهي زبدة فكر طائفي لم يستوقفه في تاريخ لبنان، لا الدستور ولا الاستقلال ولا الجمهورية، وظل يرى إلى الكيان باعتباره» تراثاً لبنانياً متراكماً متواصلاً لستة آلاف سنة»، ما يعني أنه تاريخ مسيحي لم ينصهر فيه المسلمون، ما جعل الوطن يقوم على التعددية ويتشكل من حضارتين وثقافتين، بحسب الوثيقة، ثم أضاف إليها محررو بيانات 14 آذار عبارة الفسطاطين.
من هذا المنهج في التفكير نبتت فكرة الفدرلة، التي لم تمت مع الطائف بل ظلت بذرتها، المتحدرة من رواسب ما قبل الاستقلال، حية في رؤوس أصحابها طيلة الفترة الممتدة بين 13 نيسان 1975 والأزمة الرئاسية في خريف 2022. ومنه نبتت أيضاً فكرة المثالثة والمؤتمر التأسيسي، كتعديل مضاد للصيغة، استناداً إلى قراءة تاريخ لبنان بعين شيعية هذه المرة.
المركزية الموسعة والفدرالية والكونفدرالية والتقسيم والمثالثة والمؤتمر التأسيسي، كلها تنطلق في تحليلها من أن الصراع على السلطة، بحسب منهج التفكير الطائفي، قائم بين مسيحيين فقدوا امتيازات وفرتها لهم الصيغة الأولى، ومسلمين استمرأوا لعبة رفع الغبن وراحوا يطالبون بالمزيد. هذا الشكل من الصراع على السلطة انتهى لا إلى تعديل الصيغة ولا إلى تبديلها بل أدى إلى تخريب الدولة والقضاء على مؤسساتها.
عطل النظام اللبناني ناجم عن صراع على السلطة بين محاصصين، لا بين مؤتمنين على تطبيق الدستور وعلى الالتزام بالقوانين. حتى اللامركزية على تنوعها، وهي الأبعد نسباً عن الفكر الطائفي، لن تعالج أسباباً موهومة لأعطال الصيغة في غياب الديمقراطية. ألم يسأل أصحاب هذه المشاريع كيف ستنتخب المجالس المحلية؟ ومن لم يحترم مبادئ الديمقراطية في النظام المركزي هل سيحترمها في الكانتونات؟
خلافاً لما يفكر به منظرو هذه المشاريع، السؤال الأساسي لا يتعلق بإدارة الشؤون المالية والخارجية والدفاعية عن الوطن الفدرالي، بل بالصراع على السلطة داخل كل كانتون، وبالقوانين التي سيتم على أساسها اختيار السلطات المحلية. فهل على طريقة الحرب بين الشيعة والمتاولة، على ما سماها أحد الظرفاء، أم على طريقة حرب الإلغاء العونية؟
العلة التي ظلت خفية منذ ما قبل الاستقلال وحتى عهد ميشال عون انكشفت وانفضح مفتعلوها بسقوط ورقة التوت عن عورة الانتهاكات الدستورية في ما يتعلق بالقضاء المستقل والمالية العامة والسيادة الوطنية وإقامة دويلات داخل الدولة واستباحة الحريات الشخصية.
مفتاح الحل للأزمات المتمادية في لبنان يبدأ بالعودة إلى الكتاب بحسب تعبير فؤاد شهاب، أي بتطبيق الدستور والعمل على تعديله من ضمن الآليات الدستورية.
مقالات ذات صلة
طوفان عيوب في حرب الإسناد
حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني
هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟