10 حزيران 2023
مناسبة هذه المقالة نقاش على صفحات التواصل حول موقف نواب التغيير من الاستحقاق الرئاسي. بعضه صحي وطبيعي ومعظمه سجال خارج الأصول تستخدم فيه لغة التخوين. صحي لأن النواب الفائزين باسم الثورة يفترض أن يكونوا مؤتمنين على ما انتخبوا من أجله؛ وخارج الأصول لأن المتساجلين، جلّهم لا كلهم، متحدرون من صفوف اليسار وورثوا عنه عاهتين، الأولى أنهم يضيقون ذرعاً بالرأي الآخر إلى حد إلغائه والثانية أن النقاش يبدأ دوماً من نقطة الصفر لدى كل منهم، ولا يأخذ بالاعتبار ما تراكم منذ 17 تشرين، أو على الأقل خلال سنة من عمر المجلس النيابي.
أعتقد أن الأولوية التي لا أولوية سواها أمام الحريصين على إعادة بناء الوطن والدولة، هي اجتماعهم على منع مرشح الممانعة من الوصول إلى قصر الرئاسة، خصوصاً أن فريقي المنافسة على يقين بأن أياً منهما يملك القدرة على تعطيل العملية الانتخابية، في الجلسة الأولى بعدم تأمين 86 صوتاً للمرشح وفي الثانية بتعطيل النصاب. وقد باتت السيناريوات ملك القاصي والداني.
يعني ذلك أن مرشح المعارضة، كائناً من كان، لن يُنتخب رئيساً حتى لو حظي بتأييد ثمانين نائباً. ويعني أيضاً أن على المعارضة، على تنوعها، أن تستفيد من توازن القوة في البرلمان، فتسجل نقطة على الثنائي وتمنعه هذه المرة من تكرار المشهد كما في المرتين السابقتين. وكان سبق لها أن سجلت نقطة على نبيه بري حين حجبت عنه في البرلمان الأخير الإجماع المعتاد في برلمانات ما بعد الطائف، كما أن «حزب الله» كظم غيظه واستبدل خطاباً كان يخيّر فيه خصومه بين انتخاب مرشحه أو الفراغ بخطاب بات يطلب فيه انتخاب مرشحه بالحوار لا بالتهديد.
السجال الحالي تكرر بحدة أقل عندما ظهرت بلبلة في مواقف التغييريين من ترشيح ميشال معوض أو من اعتصام ملحم خلف ونجاة عون في مبنى البرلمان. يومذاك قلنا للمتساجلين، نحن انتخبناهم لكننا لسنا أوصياء عليهم، واستعرنا من جبران قوله، أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة. فإلى أي صوت سيصغي النائب التغييري وأي نداء سيلبي طالما أن الناخبين متنوعون بتنوع أهل الثورة؟
من حق أهل الثورة وناخبيها أن يطالبوا نوابها بالمزيد من الوضوح، لكن من منا يدعي أرجحية الوضوح على سواه، الناخب أم النائب، خاصة وأنهما غير متطابقين لا في الموقع ولا في الدور ولا في العلاقات. فضلاً عن أن فعل الثورة لا يقتصر على بضعة عشر نائباً، بل إن البرلمان برمته خضع لتبدل جذري باكورته حجب الأصوات عن رئيس «إلى الأبد تمثلاً بحافظ الأسد» ولتبدل كبير في آليات عمل البرلمان وفي الرقابة الشعبية على عمل السلطات.
معايير كثيرة تبدلت في الواقع بعد 17 تشرين لكنها لم تتبدل في أذهان البعض من أهل الثورة. إن المعارضة التي خاضت معارك برلمانية في مواجهة الثلاثي وتخوض الآن معركتها في مواجهة الثنائي هي في غالبيتها من أهل المنظومة التي قامت الثورة ضدها في بداية الأمر، ولا يشكل التغييريون سوى أقلية لا يقاس دورها بعديدها بل بقوة الثورة التي أنتجتها، ولذلك ينبغي ملاحظة القفزة النوعية في دور التغييريين من قوة مدعوة إلى الالتحاق بالمعارضة إلى مكون أساسي من مكوناتها.
التغييريون مطالبون بالحفاظ على تنوعهم من داخل الوحدة، ومطالبون في الوقت ذاته بالعمل بالانخراط في أوسع جبهة معارضة لمواجهة منتهكي الدستور ومعطلي الاستحقاقات وناهبي خيرات الوطن. فالمبارزة لن تكسب بالضربة القاضية بل بالنقاط.
مقالات ذات صلة
نعم انتصرنا
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية