22 نوفمبر، 2024

الكفاءة بين خطابيْن رئاسييْن

14 حزيران 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/181094

الانتخابات من علامات الديمقراطية. هذا من حيث المبدأ. أما في لبنان فالانتخابات تجرى بآليات غير ديمقراطية. آليات هجينة مشتقة إما من تجربة لجنة الترشيحات في الأنظمة والأحزاب الشيوعية أو من تجربة مصلحة تشخيص النظام في البلد الوحيد، إيران، الذي يملك وكالتها الحصرية.

الانتخابات تنافس بين أفراد على نيل أصوات الناخبين، فيعلن كل منهم ترشيحه وبرنامجه. أما في لبنان فلجنة الترشيحات قدمت، باسم كتلتها النيابية الأولى، مرشحاً، ومصلحة تشخيص النظام، باسم الثانية، مرشحاً منافساً، فيما توزع من تبقى، بحثاً عن كتلة وعن إسم وعن مرشح، أي عن صيغة ثالثة أو أكثر يتجمعون حولها ليشاركوا في حفلة إلغاء الديمقراطية، ومن حسن حظ الوطن أنهم لم يتفقوا على إسم مرشح، أو أن المرشح الذي كادوا يتفقون عليه أعلن عزوفه عن خوض المعركة في هذه الظروف.

على أساس هذه الآلية يغدو التنافس لا بين مرشحين بل بين ناخبين، وتغدو الانتخابات استعراض قوة وقياس أحجام. وبديلاً من حملات انتخابية ينظمها المرشحون، تطلق كل جهة لائحة اتهامية ضد خصومها. سياديون وممانعون ومحايدون. جهات ثلاث تطمس دور المرشح وتنتزع منه حريته في الترشح وتجعله وسيلة للتعبئة على خط سياسي ضد خط مناوئ، وتلغي المبدأ الأساس الذي تبنى عليه الديمقراطية وهو حرية الإنسان الفرد. إذ لا مرشح إلا بقرار من جهة ما، وأسوأ ما في هذه الحالة أن تكون الجهة خارجية وهو ما يسعى إليه الساعون.

في الانتخابات يوكل المختلفون إلى من يختارونه تنظيم اختلافهم. أما في لبنان فهي أداة لتفجيره بدل تنظيمه، كأنها مناسبة تعلو فيها نبرة التخوين والتهديد والوعيد، ما يزيد خشية البعض من أن تكون الحرب الأهلية هذه المرة بديلاً من الرئاسة، مثلما كانت عام 1975 بديلاً من السيادة والإصلاح السياسي.

ثورة 17 تشرين فضحت لعبة المنظومة فارضة عليها فرز القوى السياسية على معيار جديد هو الموقف من إعادة بناء الوطن والدولة. لكن الكتل النيابية كلها، بما فيها كتلة التغييريين، اقترفت إلغاء الترشيح كخيار فردي، وراح كل منها يسمي مرشحاً ويقرر عنه محملاً إياه غنم الكتلة وغرمها.

بعد تأخرهم أشهراً، وقبل يومين من جلسة الانتخاب المقررة استدرك اثنان من المرشحين إعلان الترشيح وإذاعة البرنامج الرئاسي. على كل حال، أن يأتي متأخراً خيرٌ من ألا يأتي أبداً.

بصرف النظر عن السجالات بين الكتلتين صاحبتي الترشيح، فالبرنامجان يعبران تعبيراً واضحاً عن أن التنافس الرئاسي وقع بين منطقين ومنهجين، الأول مشتق من برنامج الثورة الداعي إلى احترام الدستور، والثاني متحدر من سلوك ميليشيوي دمر الدولة وألغى مؤسساتها. ومن غير تحليل معمق للغة كل منهما يبدو واضحاً أن أحدهما مصاغ بلغة الكفاءة والخبرة والمؤهلات العلمية والدبلوماسية، فيما يفتقر الآخر إلى الحد الأدنى من مواصفات المرشح الرئاسي.

إذا كانت الطريق إلى قصر بعبدا لن تفتح لا بصناديق الاقتراع ولا بالبرنامج الرئاسي، فليس أمام قوى المعارضة البرلمانية سوى تعطيل نهج التعطيل الذي سبق لقوى الممانعة أن استخدمته بنجاح مرتين، لكنها تبدو هذه المرة عاجزة لأن المنظومة تفككت بفعل الثورة ولأن الالتفاف حول مشروع الدولة لم يعد معزولاً كما في أيام نظام الوصاية أو بعد اغتيال رفيق الحريري.

إذا كان ذلك كذلك فماذا يفيد البحث عن مرشحين إضافيين أو الحياد أو الاعتكاف عن خوض معركة الاستحقاقات الدستورية في مواجهة قوى الممانعة ونهجها التعطيلي؟