23 آب 2023
«حزب الله» يراكم الأخطاء، ومع ذلك فهو ينام قرير العين. السبب بسيط وخلاصته أنّ خصومه لا يتفقون على مشروع واحد بل تتعدد مشاريعهم فيغني كل على ليلاه. يعزف فريق «القوات اللبنانية» على لحن الزواج المدني وآخر على الفدرلة ويصوب ثالث على سلاح «حزب الله» ورابع على النازحين السوريين فيما ينبري التغييريون للدفاع عن حقوق المثليين.
القضايا المذكورة كلها مهمة وكلها تحتاج إلى معالجة. نقول ذلك حتى لا يصطاد أحد في الماء العكر، وحتى لا يظل الطبل والزمر حولها يحرف الأنظار عن لب المشكلة التي يعاني منها لبنان، على الأقل منذ بداية الحرب الأهلية. هذا فضلاً عن أنّ المعارك حولها تتسبب بتشتيت قوى المعارضة وبتوحيد أهل المنظومة المتحكمة بالسلطة السياسية.
دولة مهددة بالانهيار والإفلاس وشعب مهدد بالجوع ووطن مهدد بالزوال، فهل قوى المعارضة متيقنة من أن حل هذه المشكلات، على أهميتها، يدفع عن الدولة والشعب والوطن تلك المخاطر؟
بعض هذه المشاريع تهم مئات اللبنانيين لا كل الشعب اللبناني لكنها كلها تثير وتستثير نزعات عنصرية (النازحون السوريون) أو دينية (المثليون) أو طائفية (الزواج المدني)، فيما تبعث قضية سلاح «حزب الله» انقساماً سياسياً حاداً ويدفع المتهورين إلى مغبة الوقوع في حرائق الحرب الأهلية.
قضيتان يمكن تأجيل البحث فيهما لأنّ بقاءهما من غير حل لا يشكل خطراً على مستقبل الوطن. ثمن التأجيل الذي يدفعه اللبنانيون يبقى محتملاً بالقياس على خطر انهيار الدولة وزوال الوطن. قد يجد أنصار الزواج المدني حلاً للمشكلة بالسفر إلى قبرص أو تركيا، وقد ينتظرون وزير داخلية شجاعاً يوافق على تسجيل عقودهم المدنية في دوائر النفوس الرسمية؛ المثليون قادرون على تدبر أمورهم بالطرق التي وفرتها البشرية لأقدم مهنة في التاريخ، بحسب بعض البلغاء، أي مهنة البغاء. القضايا الثلاث الأخرى تهم كل اللبنانيين لكن التهور في طرح الحلول لها قد يفضي إلى غير ما يتمناه أصحاب مشاريع الحلول.
الفدرلة غير قابلة للتطبيق. كل عمليات الفرز والنزف التي أحدثتها الحرب الأهلية المستدامة لم تؤد إلى إلغاء التداخل السكاني وإلى رسم حدود جعرافية واضحة لكانتونات الطوائف اللبنانية، كما أنّه لا الفدرالية تقوم ولا اللامركزية إلا إذا تحقق لأي منهما الشرط الديمقراطي في علاقات القوى المحلية، وهذا شبه مستحيل في ظل التركيبة الحالية للأحزاب والقوى السياسية.
النزوح السوري لن يجد طريقه إلى الحل إلا بعد توفر ثلاثة شروط، الأول اتفاق اللبنانيين على أنّ النظام السوري هو المعني بالمبادرة في فتح النقاش والحدود لعودة نازحيه، وإن لم يبادر فعودتهم مستحيلة، الثاني اقتناع المجتمع الدولي بعودتهم ولهذه الموافقة موجباتها، وهي غير متوفرة في المدى المنظور، الثالث من البديهيات، وهو أن عودتهم لا يمكن أن تحصل إلا بإشراف الدولة اللبنانية وسيطرتها على المعابر البرية والبحرية والجوية، وقبل ذلك على المعابر غير الشرعية أيضاً.
أما سلاح حزب الله فالطريق إلى نزعه إما بقوة تتفوق عليه إما بحرب أهلية. وفي الحالتين لن يكون وحده الخاسر وأمامنا التجربة المأسوية التي أثبتت أن التدخل الخارجي لم يكن في أي مرة إلا في مصلحة المتدخلين، وأن الحرب الأهلية بين الطوائف أو داخل الطوائف هي أكثر تدميراً من أي حرب خارجية.
مدخل واحد يضع قطار الحل على سكته، العودة إلى الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية. بعدها تصحح أعطال السكة أو أعطال القاطرة. ربما يصلح الجواب على رسالة المبعوث الفرنسي الموقع من واحد وثلاثين نائباً كأساس للبحث عن الحلول.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان