27 أبريل، 2024

الأسئلة المغلوطة (11)مع القضية أم مع حاملي لوائها؟

14 تشرين الأول 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/214084

هل أنت مجبر، إن كنت مناصراً للشعب الفلسطيني ولقضيته، أن تناصر حركة «حماس»؟ هو السؤال المحرج الذي لن يكون الجواب عليه سهلاً. الصديق وقت الضيق. هذا صحيح، لكن سؤالاً آخر ينهض للتو: ماذا عساه يفعل من لا يملك غير الكلمة الحرة ومشاعر التضامن الصادقة؟

في ندوة عن المقاومة في كفررمان عام 1993 حضرها قياديون من «حزب الله» ومن الحزب الشيوعي حاولت أن أقدّم جواباً على السؤال عن أسباب تراجع دور المقاومة الوطنية اللبنانية يومذاك وتنامي دور المقاومة الإسلامية. قلت إن نجاح المقاومة رهن لا بقدرتها الميدانية على المواجهة فحسب، بل بمشروعها لما بعد التحرير.

الحزب الشيوعي كان يخطط لإقامة حكم وطني ديمقراطي مستلهم من أدبيات حركات التحرر بقيادة الاتحاد السوفياتي. البيان الذي وقعه جورج حاوي ومحسن ابراهيم في 16 أيلول من العام 1982 وجد طريقه إلى التنفيذ بعمليات بطولية نفّذها الشيوعيون قبل أن تظهر إلى العلن أزمة التحرر الوطني. وحين بدأت ملامح الانهيار تظهر على التجربة الاشتراكية ومنظومتها كان من الطبيعي أن يهتز مشروع ما بعد تحرير التراب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي ويهتز معه دور جمول. اختار الحزب الشيوعي تفسيراً آخر ذا طابع أمني يتعلق بالتسليح والعلاقة بالحلفاء.

في المقابل وافق «حزب الله» على أن يكون جزءاً من السلطة التشريعية فكان له ممثلوه في أول برلمان منتخب بعد توقف الحرب الأهلية، ما يعني موافقته كحزب سياسي على تنفيذ ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني وما أوكل إلى رفيق الحريري تنفيذه، أي إعادة بناء الدولة. غير أنّه راح يوظّف الأعمال البطولية لمقاوميه في ما يتناقض مع إعادة بناء الدولة ما أدى شيئاً فشيئاً إلى فقدانه الإجماع اللبناني على تقدير بطولات المقاومين، وإلى طرح السؤال، هل من الضروري أن يتلازم الاعتزاز ببطولات المقاومين بتأييد سياسة «حزب الله»؟

هل من الضروري أن يتلازم تأييد الاشتراكية كمشروع نبيل لمستقبل البشرية بتأييد سياسة الأحزاب الشيوعية أو أن تتلازم الإشادة بانتصار ستالين في حربه ضد النازية بتأييد القهر الذي مارسه على رفاقه في الحزب وعلى شعبه؟ وهل يكون إنجاز نابليون بإنقاذ الثورة الفرنسية وتعميمها على أوروبا مبرراً لتأييد ممارسته الاستبداد؟

سؤال أول يطرح على حركة «حماس». ماذا بعد العملية الناجحة بكل المقاييس؟ بطولات فردية وتخطيط متقن وقدرة على المباغتة وعلى المواجهة وعلى الاقتحام؟ إسلاميو الجزائر فازوا في الانتخابات وخسروا دورهم. «داعش» أقامت دولة وسرعان ما انفرط عقدها. كم من انقلاب عسكري في العالم العربي وفي العالم حكم ثم انهار لأنه لم يقدم إجابة على سؤال المستقبل؟

القضية الفلسطينية لا مثيل لها في العالم المعاصر. وإسرائيل لا مثيل لتوحشها في مرحلة الحضارة الرأسمالية، إبادة متكررة واستيطان وتمييز عنصري وقهر يومي وشعب مستعار ودولة مفتعلة «تجمع فيها كل لسن وأمة» (أبو تمام)، لكننا نحاربها بالأحلام والأوهام والمواجهات اللغوية. نستعطف العالم على دماء شهيد وبكاء طفل ونحيب أمّ ودمار وتهجير جماعي، فيما المواجهة تحتاج إلى عدة أخرى، أولها أن يقبل بعضنا بعضاً، ألا تكون فلسطين، المحررة ولو صورياً، مجزأة بين غزة ورام الله.

كان على «حماس» أن تستشرف كيف يمكن لها أن توظف انتصارها، وأن تسأل عما هو أبعد منه. ماذا لو تحررت فلسطين كلها غداً أو بعد غد؟ ماذا سيكون مشروعها لإدارة البلاد؟