18 تشرين الأول 2023
https://www.nidaalwatan.com/article/215719
كان يمكن للنبطية أن تتضامن مع الشعب الفلسطيني في يوم التضامن ذاته في كل المناطق اللبنانية، إلا أن اختيار السابع عشر من تشرين موعداً لنصرته في ساحة النبطية ينطوي على دلالة أخرى، خصوصاً أن عنوان الدعوة أكد على «ثوابتنا بإقامة دولة الحق والعدل والمؤسسات»، وهي الثوابت التي حددتها الثورة اللبنانية منذ أربع سنوات.
يقال إن الثورة سقطت أو انتهت أو أجهضت أو تلاشت أو تفككت أو تشتتت، لكن للنبطية رأياً آخر. بصرف النظر عن عدد من لبوا الدعوة إلى الوقفة النضالية، فالمكان هو الساحة التي صمد الثوار فيها رافعين راية التغيير رغم تعرضهم لاعتداء الشبيحة من أهل المنظومة، والزمان لا يذكر باندلاع الثورة بل يبعث جمهورها من تحت الرماد.
يحق للنبطية قبل سواها أن تحتفل بهذه الذكرى لأن ما حققته في الانتخابات النيابية كان له طعم الانتصار فيما كان لسواها في سائر الدوائر طعم الفوز فحسب، ولأن علاقات التعاون بين قياداتها استمرت بالوتيرة ذاتها حتى في مرحلة كمون الثورة التي لم تمت ولن تموت.
«وقفة ساحة الانتفاضة في النبطية» تعبير رمزي عن أن الثورة ما زالت حية وأنهم هم الساقطون. سقطوا حين عجزوا عن ولوج باب الحل لأي من الأزمات التي يعاني منها وطننا. فكيف لمن لم يجد حلاً للنفايات أن يتمكن من إيجاد حل لقضية الرئاسة. هذه السلطة – المنظومة التي شبت على الفساد شابت عليه وبات رحيلها هو الباب الوحيد لبدء المعالجة.
دعت الثورة منذ اليوم الأول إلى إعادة تكوين السلطة. لكن المنظومة تجتر نفسها وأزماتها وتبعث عن حل بالنهج ذاته الذي ولدها وبالأدوات ذاتها التي صنعتها. نهج المحاصصة وتقاسم مغانم السلطة وتوزيع الثروة الوطنية على الميليشيات ومافيات المال.
الثورة لم تسقط. سقط من واجهها بالرصاص والعصي ومواكب الدراجات. سقط من عاندها ولم يصغ إلى مناشداتها ومطالبها باستعادة المال المنهوب ومحاكمة المسؤولين عن الهدر والسرقة. سقط من امتنع عن اتخاذ أي إجراء لوقف الانهيار وتمادى في انتهاك الدستور والقوانين وأدار أذنه الصماء لنصائح الغيورين على مصالح الشعب ولاقتراحات الأصدقاء في العالم من أجل وضع البلاد على سكة الحلول بدل أن يبشرنا فخامته بشفير «جهنم».
الثورة لم تسقط، فلا برنامج للحل خارج ما طرحته في 17 تشرين. تشكيل حكومة بغير آليات المحاصصة، احترام الدستور والمهل التي ينص عليها ولا سيما ما يتعلق بالانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية، وتطبيقه لتطويره وتحديد ما ينبغي تعديله من مواده ومن القوانين ولاسيما منها قانون الانتخابات النيابية.
الثورة لم تسقط لأنها ليست انقلاباً ليفشل ولا انتفاضة لتطوى صفحتها كما طويت صفحات سواها، كانتفاضة الخبز في مصر التي سماها السادات انتفاضة الحرامية، أو كانتفاضات لبنانية كثيرة سبقت الثورة، من بينها التحركات المطلبية بعد عام 2010، التي توجتها غضبة جماهيرية أضرمها عجز الحكومة عن حل أزمة النفايات عام 2016
الثورة لم تسقط لأن من يرغب في البحث عن حل لا بد أن يغرف من معين عنوانه المبتكر ثورة تحت سقف الدستور. أما الساقطون فهم أهل الممانعة الذين لم يتركوا وسيلة لتعطيل الدستور إلا واستخدموها، من إلغاء المؤسسات إلى إلغاء الفصل بين السلطات إلى إلغاء مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص إلى إقفال أبواب المجلس النيابي إلى تحويل رئاسة الجمهورية إلى مادة للمساومة وعقد التسويات.
لعل النبطية تكون البداية لاستئناف ثورة تحت سقف الدستور، أول مطالبها انتخاب رئيس للجمهورية.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان