2 كانون الأول 2023
https://www.nidaalwatan.com/article/229986
بطولة «حماس» في غزة زرعت الرعب في قلوب الإسرائيليين، لكنّها أثارت ريبة في نفوس الغربيين شعوباً وحكّاماً. فالإسلام السياسي قدّم نفسه في أكثر من بلد أوروبي على صورة إرهابي متنقل، و»داعش» رسمت صورة تقريبية لما يمكن أن يكون عليه نظام الحكم إذا تولته قوى متحدرة من المنظومة الفكرية والسياسية ذاتها.
صورة الطالب الذي ذبح أستاذه على قارعة الطريق في أحد شوارع باريس، أو السائق الذي دهس بشاحنته كل المارة على الرصيف في مدينة نيس، أو المسلم العراقي الذي أحرق نسخة من القرآن في السويد فاستدرج ردات فعل ضد الإسلام والمسلمين، وصور أخرى مشابهة ما زالت ماثلة في الذاكرة.
باتت الديمقراطية راسخة في منظومة القيم لدى شعوب الغرب، لا بحساب الأعداد وحكم الأكثرية، بل بمعنى احترام التعدد والتنوع والحق في الاختلاف، كتجسيد لحرية الإنسان الفرد بنداً من بنود شرعة حقوق الإنسان، ونصاً في الدستور الفرنسي متطرفاً في علمانيته يساوي بين حق المواطن بالإيمان وحقه بالإلحاد.
هذه الحساسية تجاه الديمقراطية وضد العنف هي التي أطلقت موجة تنديد شعبي بعملية «حماس»، وموجة معاكسة في اليوم التالي استنكاراً للمجازر الصهيونية، وتضامناً مع قضية الشعب الفلسطيني، لا مع «حماس».
المتحمسون للقضية في بلادنا، إسلاميين وقوميين ويساريين، يتفاعلون مع الأحداث بطريقة مختلفة لأنّ «أصابعهم في النار»، ولأنّ الهزائم العربية المتراكمة تجعل الجمهور ميالاً إلى التضامن الانفعالي مع أي عمل انتقامي من دون النظر إلى ردود الفعل لدى من «أصابعهم في الماء».
صحيح أنّ «حماس» قامت بعمل بطولي، لكنها، كما كل تنظيمات الإسلام السياسي، ليست محل ترحيب، لا في الغرب ولا في الشرق، لأنّ تجاربها لم تشجع على قبولها طرفاً في المفاوضات أو في إدارة شؤون البلاد، بعدما قدّمت نفسها على شكل «داعش» أو «طالبان» أو «بوكو حرام» أو سواها، جماعات وأفراداً ممن مارس العنف في بلده أو في بلدان أخرى.
مع ذلك، يمكن توظيف نتائج ما حصل في غزة لصالح القضية الفلسطينية، لكن بشرطين اثنين، من دونهما لن تفضي عملية «حماس» إلى غير الكارثة على غزة وعلى القضية برمتها. الأول أن تعتبر «حماس» نفسها فدائياً انتحارياً مثل «الكاميكاز»، فتنتظر جنّتها السماوية أو تستظل بشعب مناضل لا ينسى وليس من شيمه العقوق، وتهيئ نفسها، بنفس طويل، للانخراط البطيء في منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
الثاني هو الأصعب، تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تضم ممثلين عن جميع الفصائل والتيارات تكون مسؤولة عن استعادة الإمساك بناصية القضية وعن المشاركة في المفاوضات بحثاً عن حل للأزمة الناجمة عن أحداث غزة وعن حل عادل للقضية، بدولة علمانية واحدة أو بدولتين علمانيتين بسيادة كاملة لكل منهما.
هو الأصعب لأنّ السلطة الفلسطينية ترهلت وتحولت من طرف فاعل في العلاقات الدولية، إلى طرف حيادي بل كاد يصبح مراقباً. كأنّها تخلت عن إنجازات كبرى حققتها منظمة التحرير بجمعها شتات الشعب وشتات التنظيمات تحت رايتها بفضل حكمة الزعيم ياسر عرفات ومبادراته الخلاقة، وبالحصول على اعتراف عربي ودولي بها كممثل شرعي لشعبها وعلى مقعد بين الأمم، وعلى دولة فلسطينية ولو منقوصة السيادة، إلى مستجْدٍ مقعداً بين المفاوضين على مصير غزة والدولة والقضية الفلسطينية.
يتطلب ذلك تضحيات فدائية غير انتحارية، منها ألا يكون غياب «حماس» عن الحكومة انتقاصاً لدورها وأن يعاد تشكيل السلطة بما يضمن تعزيز وحدة الشعب والدولة وراء القضية.
مقالات ذات صلة
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان
اليسار والإسلاميون