3 ديسمبر، 2024

نقاش مع منهج تفكير الممانعة

6 كانون الأول 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/231163

في تعريف الممانعة، أنها النهج الذي اعتمده النظام السوري وحلفاؤه اللبنانيون والعرب، وهي تعني تأجيل أي حل أو تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، بانتظار تغيير مرتجى في موازين القوى. بعبارة أخرى هو تأجيل استسلام الأنظمة وعدم اعترافها بعجزها البنيوي عن المواجهة، وعدم تخليها عن السلطة. إيران مستثناة من هذا النهج لأن لها مشروعاً آخر ذا أهداف مختلفة تماماً عن أهداف مشروع الممانعة، وإن التقيا على ممارسة الاستبداد السلطوي، وعلى أن العدو هو دوماً عدو خارجي.

حلول النظام الإيراني بدل السوري في قيادة جبهة الممانعة لا يغيّر في تعريف هذا النهج، لأن المشروعين يلتقيان على إرجاء المعركة الحاسمة، الأول بانتظار ظهور المهدي والثاني بانتظار التوازن الستراتيجي المستحيل، ولذلك حرص كل منهما على إبقاء أعمال المقاومة، خلال حرب غزة راهناً أو ضد الاحتلال في جنوب لبنان سابقاً، في إطار المناوشة أو من باب إشغال العدو، انسجاماً مع سياستهما الانتظارية. هذا وحده يفسر انزعاج النظام السوري من تحرير لبنان ثم تلاعبه بقضية مزارع شبعا.

قرار محور الممانعة عدم الانجرار إلى السجالات حول حرب غزة له إيجابياته، من بينها التركيز على دعم الشعب الفلسطيني وقضيته؛ وله سلبياته، ومن بينها تمسكه بشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وهو شعار استبدادي، وعدم الإصغاء للآراء النقدية والاكتفاء بالتفاعل بين قوى الممانعة في اليمن والضفة والعراق.

عقدت قوى المحور لقاءات، وتشكلت لجان داخلية، وتولت «مراكز التفكير والدراسات» مهمة تقويم المعركة استخلصت فيها أن العدو «لم يحقق إنجازات مهمة في غزة» و»لم يستطع الرد على مصادر النيران في لبنان»، وأن»حزب الله خرج أقوى شعبياً وسياسياً»، ولذلك فهو «لن يقبل بمعادلات ما قبل غزة». يضاف إلى ذلك كلام كثير عن إذلال الجيش الإسرائيلي، وهذا صحيح، وعن تحطيم صورته وهذا فيه ذر رماد في العيون، أو فيه، بحسب جهاد الزين، تخدير للعقول كمفعول الأفيون، ذلك أن حسابات الربح والخسارة وموازين القوى تحتاج إلى معايير مختلفة أساسها العلم لا الحماسة.

كان على الدارسين والمفكرين من أهل المحور إشراك الحزب الشيوعي في عملية التقويم، لأنه وإن كان يقيم على أطراف جبهة الممانعة لا في داخلها، فهو ذو باع طويل في خوض المعارك ضد الإمبريالية والصهيونية والاستعمار، وكان يمكن أن يستفاد من تجربته الغنية في التحليل.

في تقرير لجنته المركزية عن أحداث غزة منسوب أعلى من الواقعية حول ما تحقق في حرب غزة وما لم يتحقق. هو يلتقي معهم في إدانة التخاذل العربي، لكنه يشير إلى تخاذل إسلامي لا يرغب الممانعون في الإشارة إليه، ويعتمد معاييرهم ذاتها لتحديد حجم الانتصار، فيرى أن الهدنة وتبادل الأسرى وإرغام العدو على التفاوض مع المقاومة ملامح من هذا الانتصار. لكن مشروعه للدولة من أدبياته القديمة.

كيف سيترجم «حزب الله» رفضه معادلات ما قبل غزة وخروجه من المناوشات الأولى «أقوى سياسياً وشعبياً»، مع أن مؤيديه باتوا محصورين داخل جزء من الطائفة الشيعية؟ من معادلاته القديمة إقناعه الجنوبيين بأن له الفضل عليهم في إقامتهم، بعد حرب تموز، آمنين مطمئنين في بيوتهم وحقولهم وحمايتهم من أي عدوان إسرائيلي، فماذا سيكون جوابه، بعد غزة، على سؤال تهجيرهم وإعادة تهجيرهم وعن إتلاف محاصيلهم وإحراق غاباتهم؟

الممانعون لا يقرّون بانتهاكهم السيادة الوطنية من الداخل، ولذلك يرغبون، بحسب قاسم قصير، باستبدال رئاسة الجمهورية بقمة روحية. أسهل الطرق للإجهاز على ما تبقى من الدولة. أليس كذلك؟