3 ديسمبر، 2024

التلفزيونات والمصارف والثورة

31 كانون الثاني 2024

https://www.nidaalwatan.com/article/248385

للثلاثيات سرها وسحرها؟! القومية، وحدة حرية اشتراكية؛ الفلسفية، الحق الخير الجمال؛ الوطنية، أرض شعب سيادة، أو نسختها الحزباللهية، جيش شعب مقاومة؛ الكتائبية، الله الوطن العائلة؛ والشيوعية، خبز وعلم وحرية.

المصارف والإعلام والثورة المطفأة، ثلاثية الصديق محمد بركات وعنوان كتابه الصادر عن دار النهار، يستخدمها بركات كأنها بداهة ولا تحتاج إلى برهان. بها يستهل الكتاب وبها يختتمه. بين أول الكلام وآخره مصادرات على المطلوب ومواقف مسبقة وأحكام مبرمة.

جهد كبير بذله المؤلف. «مئات الساعات لتفريغ تسجيلات البرامج الحوارية ونشرات الأخبار والمقابلات، أي ما يقارب 500 ألف، أي نصف مليون كلمة». بعدها تحليل المضمون ودراسة الجداول الإحصائية والرسوم البيانية، وهذا مبدأ من مناهج البحث في العلوم الاجتماعية. ثم الاستناد إلى مراجع بالعربية، نواف سلام، عبد الرؤوف سنو، جورج قرم، هشام صفي الدين، جورج صدقة وغيرهم؛ والأجنبية، ب.بورديو، ج.لوبون، س. تشاخوتين، ف. هويغ، ج. ديرفيل، وآخرين.

الكتاب يقرأ من عنوانه، بل من أول حكم مبرم فيه: «حين أطفأنا الكاميرات عادوا إلى بيوتهم» أي ثوار 17 تشرين. كاميرات طاووسية صنعت الثورة. نستغرب لماذا اعتمد صديقنا هذا الكلام دون سواه من آراء رؤساء التحرير. لماذا لم يصدق قول إعلامي آخر: «في 17 تشرين تفاجأنا مثل كل الناس. كان دورنا يقتصر في البداية على ملاحقة الأحداث، ثم قررنا أن نلتحق بالثورة لنكون جزءاً من عملية التغيير. زخم الثوار هو الذي أجبرنا على مرافقتهم».

الكاميرات قبل الثوار أم العكس؟ البيضة أم الدجاجة؟ لا شك في أن للإعلام دوراً كبيراً «في صنع الرأي العام». أما الثورات فقد ولدت قبل أن تولد وسائل الإعلام. لم تواكب الشاشات صلب المسيح ولا معارك النبي محمد ولا تهديم أسوار الباستيل في فرنسا ولا القصر الشتوي ولا الصيفي في روسيا. الثورة يصنعها الثوار. وسائل الإعلام مؤسسات تجارية لم تكن مشغولة بالتحضير للثورة بل بتحضير البرامج الرابحة. ما أن خمدت الثورة حتى عادت الغلبة للغة الانقسام بديلاً من وحدة وطنية تجسدت بالحبل البشري على طول الساحل والعرض المدني في ساحة الشهداء.

من منهما على حق، ماركس أم ماكس فيبر؟ الأحداث تصنعها الأفكار والبنية الفوقية أم تطور شامل يعتمل داخل البنية التحتية ويكون حافزاً على صنع الأفكار. لو لم يحلم البشر بالطيران لما طاروا. حتى الأحلام من نتاج الحياة والواقع. لعصر العلوم الرقمية أحلامه وللعصر الحجري خياله، ولا ينتج العقل البشري إلا ما تسمح به قوانين التطور. ماركس عثر على مفتاح الحقيقة وماكس فيبر لم يكن مخطئاً في استكماله البحث عنها.

الكاميرات التي ادعت أنها وراء عودة الثوار إلى بيوتهم، هل هي تسرعت بقرارها، هل هي متآمرة على الثورة وعلى مستقبل الوطن؟ القادر على إطفاء الثورة قادر على إشعالها. هيا، فلتبادر، الوطن يناديها والشعب. كأني بالصديق بركات أراد أن يتحداها بقوله، «فيروس كورونا أجبر المليارات على التزام منازلهم لنحو عامين حول العالم»، غير أنه استثنى لبنان من هذا السبب القاهر، ورأى أن «اشتداد الحصار المالي والسياسي والأمني عليها» لم يكن سبباً  كافياً لخمودها، فقرر أن الثورة «انطفأت أو أطفئت أو انتهت».

سقطت المصارف من الثلاثية. «نصف مليون كلمة»عن ثنائية الثورة والإعلام كان يمكن أن تفضي إلى استنتاجات مغايرة، لو أنها خضعت لمنهج يختص بعلم السياسة والثورة لا بمناهج البحث في العلوم الاجتماعية. الثورة لا تحتاج إلى مقارنات وجداول إحصائية ولبنان بانتظار من يستعيد وجه ثورته الخام