23 نوفمبر، 2024

14 شباط لا 14 آذار

14 شباط 2024

https://www.nidaalwatan.com/article/252716

14 آذار كانت خطأ لا بد منه، خطأ تكتيكياً، بلغة كرة القدم، لمنع فريق الممانعة من الانفراد بالمرمى. كان على قيادتها أن تعيد توزيع المحتشدين في ذلك اليوم المجيد، في خطة دفاعية لحماية لبنان ما دامت لا تحمل مشروعاً لبنائه، وأن تجيب على سؤال لماذا قتل الحريري لا أن تحصر همها بالسؤال عن هوية الجاني.

السؤال عن هوية المجرم يحيل إلى الثأر وهو شأن قضائي. أما سؤال لماذا فيذكرنا بقول نزار قباني في عبد الناصر، «ليس جديداً علينا اغتيال الصحابة والأولياء». راحت القيادة الحزبية تعد خطة هجومية مستلهمة من برامج التحرر الوطني. أي التحرر من الوجود الأجنبي، المتمثل هذه المرة بالجيش السوري. «ما بدنا جيش بلبنان غير الجيش اللبناني»، شعار لم يكن يحمل غير هذا المعنى، وبدل أن تستكمل مشروع الحريري ومحوره إعادة بناء الحجر والوحدة الوطنية، انشغلت بما يفضي إلى نقيضه.

تشخيصها الأزمة لم يكن صحيحاً. توهمت، بعد محاولة اغتيال مروان حمادة، أن خروج الجيش السوري سيشكل حلاً ولن يكون بعيد المنال، وأن القوى الممالئة لسوريا ستقر بموازين القوى الجديدة وستمتثل لإرادة الوحدة الوطنية اللبنانية. الوصفة المغلوطة المبنية على هذا التشخيص أنتجت اتفاقاً رباعياً بين قوى من الجبهتين الآذاريتين في أول انتخابات نيابية بعد اغتيال الحريري.

النظام السوري نظام محتل في بلاده قبل دخول جيشه إلى لبنان، غير أنّ قيادة 14 آذار أغفلت أن تكون أطرافها المكونة قد استدرجت القوى العسكرية غير اللبنانية، وأن يكون دور العوامل الخارجية في صنع الحرب رهناً بوجود أدوات داخلية، فلا ترحيل المقاتلين الفلسطينيين عام 1982 كان كافياً ولا اندحار الجيش الإسرائيلي عام 2000 ولا خروج الجيش السوري عام 2005 لوقف النزاعات الداخلية ومعالجة أسبابها.

هل سألنا بعد عقدين على اغتياله لماذا لم يبق من حركة 14 آذار غير الذكرى والحنين؟ هل سأل أحد لماذا استكملوا قتله بإعادة وسط المدينة خطوط تماس وناطوراً على باب الحرب؟ ولماذا استعجلوا على توزيع تركته وثروته وكتلته النيابية وجمهوره العابر للطوائف والمذاهب والمناطق؟

حشود 14 شباط العفوية صرخة غضب في وجه القتلة وحزن على الشهيد خيم على الوطن في كل ساحاته، وتعبير عن ألم عميق لأن اليتم لم يلحق بذويه فحسب بل بمحبيه وبمشروعه أيضاً، فيما الثأر كاد يختصر مشروع القيادة في 14 آذار، ذلك التاريخ الذي أسس لخطاب عنصري وانقسامي. منذ ذلك الوقت بدأ يتسرب إلى داخل الخطاب الوطني كلام عن ثقافتين وفسطاطين وحضارتين. كلام راح يؤتي ثماراً مهترئة في تشريع الانقسامات وتوزيع الوطن حصصاً بين المتنازعين من أكلة الجبنة.

ألا تتحمل قيادات 14 آذار مسؤولية عما آلت إليه حالة الخطاب السياسي بعد عشرين عاماً على اغتيال رفيق الحريري؟ إذا كانت 8 آذار مسؤولة عن اغتياله، أليست 14 آذار مسؤولة عن التخلي عن مشروعه؟ وحده رفيق الحريري «أوقف العد». لم يحفظ كلامه، لا يمين ولا يسار ولا وسط. بل دخل الجميع في سباق على اقتناء عدادات طائفية.

«لو دامت لغيرك لما آلت إليك» دعوة لتداول السلطة والديمقراطية. «ما في حدا أكبر من بلده». لكن، ما أكثر المنتفخين الذين احتجبت الغابة عن عيونهم بشجرة مصالحهم الفئوية. ثلاثون ألفاً تعلموا على نفقته في أرقى جامعات العالم توزعتهم طوائفهم. بعضهم بدل أن يحفظ الود حوّله إلى كراهية.

لا الحنين إلى الماضي مجدٍ ولا الثأر نافع. قليل من النقد الذاتي أفضل لقاح لداء الحرب.