21 نوفمبر، 2024

لماذا يدعم الغرب إسرائيل؟



الحوار المتمدن-العدد: 8077 – 2024 / 8 / 22 – 10:31

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=839865

سأل حارث سليمان في النشرة الإلكترونية”جنوبية”، لماذا يتسابق سياسيو العالم على التزامهم بأمن إسرائيل؟ ، ولماذا تتردد معزوفة حماية الكيان الإسرائيلي على لسان الأوساط الحاكمة في الغرب. مع أن قادة العالم يستنكرون المجازر التي ترتكبها إسرائيل، وترتفع، على الصعيد الدولي، وتيرة المطالبة بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة؟ فهل لأن “الأولوية المطلقة عندهم هي لأمن إسرائيل كياناً، ولسلامة اليهود افراداً”؟
مع أن هذه الظاهرة تثير العجب والغضب، فهي تحتاج، بحسب سليمان، إلى تحليل ودراسة وتفكيك تمهيداً لمواجهتها، وإن مفتاح الجواب، من وجهة نظره، من شقين، الأول هو تقديم إسرائيل نفسها في صورة الضحية، والثاني أن “صورة أنصار الممانعة وتابعيها، على الضفة الاخرى، تتبدى كمأساة ومسخرة، مليئة بالعنتريات الجوفاء والحماقات الكارثية و”التفشيط”، بحسب ما ورد في عنوان المقالة.
يبدو مفتاح الجواب، في شقه الأول صحيحاً جزئياً. إسرائيل لم تتوقف عن ابتزاز المجتمعات الغربية وحكوماتها في موضوع المحرقة اليهودية وما زالت تمارس ابتزازها متهمة أي موقف غير مؤيد لها بالعداء للسامية. أما الشق الثاني فهو صحيح في ما يخص الممانعة ومشتقاتها، مع أن العنتريات قديمة قدم النكبة، وشعار رمي إسرائيل في البحر ليس حديث العهد، فالعنتريات الجوفاء متحدرة من أحمد سعيد في صوت العرب ومن الصحاف في العراق، مع امتداداتها وصولاً إلى طوفان الأقصى.
هذا يعني أن المنهج المعتمد في مواجهة المشروع الصهيوني يستند إلى تشخيص خاطئ في بعض جوانبه. صحيح أن الصهيونية عنصرية، وعنصريتها متحدرة من تعاليم دينية، وأن مشروعها توسعي، على قاعدة الشعار المعروف”أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”. لكن إسرائيل هي آخر ما تبقى من الاستعمار الرأسمالي في العالم، ولم يؤخذ بالاعتبار في مواجهتها لا كونها استعماراً ولا كونها جزءاً من النظام الرأسمالي العالمي.
لقد تناوبت على التصدي للمشروع الصهيوني قوى حركة التحرر الوطني القومية واليسارية والإسلامية من الموقع ذاته العنصري والديني، بدءاً من عدم الموافقة العربية بالإجماع على حل الدولتين بعد النكبة وصولاً إلى استحضار معارك المسلمين مع اليهود أيام الفتح الإسلامي. وما الإسم الذي أطلقته حماس على غارتها في السابع من تشرين- أكتوبر، طوفان الأقصى، سوى تعبير عن أن الهدف من النضال لم يكن تحريريها من استعمار رأسمالي بل من استعمار ديني، فيما كان قد مضى على معارك التبشير الديني قرون طويلة.
لا شك في أن للبعد الديني قيمة رمزية في الصراع على القضية الفلسطينية، إذ بإمكانه أن يشكل عامل دفع ورافعة معنوية ومحفزاً على النضال في سبيلها، على غرار ما حصل في نضال الجزائر التحرري، غير أن تيارات الإسلام السياسي ترى أن الدين بالذات هو القضية وتستصغر الجانب الأهم منها أي السياسة، فيما تبدو إسرائيل أقدر على استخدامه لأنها توظفه في صالح السياسة.
تشخيص أزمة المواجهة مع الصهيونية بصورة مغلوطة لا يتجلى فحسب في تغليب الدين على السياسة، بل في تغييب الأبعاد السياسية عن تاريخ القضية الفلسطينية، وعلى رأس تلك الأبعاد أن الاستعمار الصهيوني في فلسطين هو النسخة الأخيرة من الاستعمار بعد البريطاني في جنوب إفريقيا، وسيكون مصيره هنا كمصيره هناك، لكن لاعتبارات تحددها قوانين التاريخ لا الانفعالات والعواطف و”العنتريات الجوفاء والتفشيط”.
إن المصائر التاريخية في عصرنا الراهن ترسمها موازين القوى الداخلية وظروف الصراع الدولية. برنامج مانديللا للتحرر الوطني كان ذا أفق ديمقراطي، في حين تعاقبت على قيادة التحرر الوطني العربية قوى ممعنة في الاستبداد، أي معادية للرأسمالية لا كاستعمار بل كحضارة. هذا هو السبب الأساسي الذي جعل الغرب ينحاز إنسانياً لصالح القضية الفلسطينية وسياسياً لصالح إسرائيل، وهو ذاته الذي جعل الغرب يستسلم لمنطق التاريخ فيتحرر مانديللا من سجنه وجنوب إفريقيا من الحكم العنصري.
هل آن الأوان لأن نقرأ قراءة صحيحة تاريخ بلادنا وتاريخ الحضارات وتاريخ الأديان؟