18 أكتوبر، 2024

حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)

  
الحوار المتمدن-العدد: 8121 – 2024 / 10 / 5 – 12:06
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=844169

المواجهات التي خاضها أبطال حزب الله في اليومين الأخيرين، في مواجهة توغل الجيش الإسرائيلي داخل العديسة ومارون الراس و كفركلا من قرى الجنوب اللبناني، تستعيد صورته كمقاومة ضد الاحتلال، وهي صورة زاهية لا تثير الإعجاب والتقدير فحسب، بل هي تكتب إسم لبنان في سجل الشرف العربي لأنه البلد الوحيد الذي حرر أرضه بقوة السلاح وعزيمة المقاومين.

يقول أهلنا الفلاحون، الأرض عِرض. من أجلها يستبسل المقاومون في معركة الدفاع عنها ضد أي مغتصب. وتقول الدساتير، الأرض أحد الأركان الثلاثة التي تبنى عليها الأوطان، إلى جانب الشعب والسيادة، السيادة التي يمارسها الشعب، من خلال الدولة وأجهزتها، على حدود الوطن وداخل حدوده.

إذا سئلت المقاومة عن التحرير فهي لا تخطئ الجواب، لكن أحزاب المقاومات كلها أخطأت في الإجابة على سؤال ما بعد التحرير، بين من نشد الوطن القومي المسيحي أو الفدرالية ومن فضل انتماءات ما فوق وطنية كالعروبة والأممية الاشتراكية، فيما غرقت أحزاب الإسلام السياسي في الأوهام وراحت تشد عجلة التاريخ إلى الوراء.

هذه المسافة بين الإجابتين هي ذاتها بين الأحزاب ومقاوماتها، بين بطولات المقاومين وأوهام الإيديولوجيا، وهي ذاتها بين التحرير والتحرر الوطني. التحرير بذل من أجل الوطن شعباً وأرضاً وسيادة، أما التحرر الوطني فهو مساهمة يقدمها الوالي لجناب الباب العالي، وهو ابتكار سجلت براءة اختراعه باسم اليسار الشيوعي الذي ناضل ضد الاستعمار حتى بعد موت الاستعمار، كرمى للعقيدة ولمشروع الأممية الذي أورث تلامذته عاهة البحث دوماً عن عدو خارجي لإشاحة النظر عن عاهة الاستبداد وعن الأسباب الداخلية للتخلف.

حزب الله اللبناني اقتدى باليسار الشيوعي، لكن أمميته المذهبية حالت دون بلوغه مجد الانتشار، فظلت حدود وهجه محصورة داخل الطائفة وداخل ما سمي “الهلال الشيعي” وحرمته من الحضانة الوطنية. كما أنه لم ينتبه إلى أن التحرر الوطني من الاستعمار مهمة لا تستعار ولا تجيّر ولا يقوم بها أحد نيابة عن أحد. الشعب الجزائري هو الذي حرر بلده من الاستعمار الفرنسي، وكذلك الفرنسي من النازية والفيتنامي من الاحتلال الأميركي.

النضال التحريري أو الجهاد، بلغة الإسلام السياسي، أثمر انتصاراً في لبنان يشبه انتصار الشعب الفلسطيني في بناء دولة على أي شبر يحرر من أرض فلسطين، وفي الحالتين لولا شرط الوحدة الوطنية لما كان الانتصار. وفي كل الحالات المشابهة يفقد التحرير معناه إذا ما تخلى عن هذا الشرط. “حماس” جعلت من التحرير محطة بل مطية لمشروع آخر فخسرت الدنيا والآخرة.

للتحرير وللتحرر الوطني معنى واحد هو الدفاع عن السيادة الوطنية ضد أي تدخل خارجي بالاحتلال أو بالنفوذ عن بعد، هو إذن دفاع عن حرية الوطن لا عن حرية الحزب، عن استقلال الوطن لا عن ربطه بالأحلاف الخارجية أو بالأساطير الدينية. يفسد النضال والجهاد حين يكون للتحرير معنى مغاير للتحرر الوطني، ويفسد النضال والجهاد حين يكون مشروع الحزب ما بعد التحرير مغايراً لمشروع المقاومة التحريري.

كان الهدف المرسوم لما بعد التحرير في مخيلة الحزب الشيوعي اللبناني هو إقامة “حكم وطني ديمقراطي يفسح في المجال أمام الانتقال إلى الاشتراكية”. انهارت “جمول” حين بدأ الحلم الاشتراكي بالانهار. أسمعنا هذا الكلام لحزب الله عام 1993 في النادي الحسيني في كفررمان ونصحناه بألا يجعل المقاومة عكازاً، ونكرر النصيحة اليوم.

الهدف الأهم لما بعد التحرير ولما بعد الحرب الأهلية هو إعادة بناء الوطن والسيادة والدولة الديمقراطية.