5 نوفمبر، 2024

“القوات”: نقد ذاتي مفخّخ

6-4-2021

https://www.nidaalwatan.com/article/43015-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D9%85%D9%81%D8%AE%D8%AE

قلت في ندوة تلفزيونية إن رئيس “القوات” سمير جعجع، بعد 2005 هو أكثر الناس حكمة في تصريحاته، لولا زلة في خطابه في ساحة الشهداء حين قال، البحر من أمامكم والعدو من ورائكم. هي زلة، لأن سوريا ليست النظام السوري. النظام يتابع انتهاك السيادة اللبنانية بدون انقطاع، أما سوريا فعلاقات القربى معها لا تقاس بالجغرافيا.

عندما قرر خصومه نبش ماضيه لينعتوه بأنه قاتل، كتبت دفاعاً عن سمير جعجع وسائر القتلة، وقلت إن كل من يحمل سلاحاً خارج الدولة ويصوبه على أهل بلده هو قاتل. كل سلاح ميليشيوي هو سلاح قاتل. كلنا في الحرب الأهلية كنا قتلة. نبش الماضي أفضل سبيل لتحضير مقتلة جديدة. يصح فيها قول الشاعر عباس بيضون عن يومياته في المعتقل الاسرائيلي، “ننبش فضلاتنا كأنها سرنا، ندفن فضلاتنا كأنها فضيحتنا”.

معايير الوطنية في الحرب غيرها في السلم. أتاني عنصر من “القوات اللبنانية” في الحرب لينقذ حياتي. أما شقيقه من لحمه ودمه فقد أتى، بعده بأسبوع، مع منشار حديدي ليدخل بيتي بدافع السرقة. وفي الحرب كان يمكن أن يقتلني رصاص المعارك بين “الحزب الشيوعي” و”حركة أمل”، وفي الحرب أيضاً عناصر من “الحركة” حمت منزلي من السرقة فيما لم يتورع رفاق لي في حزبي الشيوعي عن فعل ذلك. هذه حكايات ليست من صنع الخيال، بل من صنع الحرب. الخروج من الحرب شرطه الوحيد نقد الماضي.

في ندوة عن الإرشاد الرسولي في معراب أشدت بدعوة الإرشاد إلى احترام الآخر والاعتراف بالآخر، وأدنت موقف القوى السياسية اللبنانية كلها من الديموقراطية، ودعوت حزب “القوات اللبنانية” وسائر الأحزاب للعودة إلى نقطة الصفر، أي إلى البحث عن تشكيل أحزاب حدودها الوطن لا الطوائف ولا الإيديولوجيات ولا الولاءات الخارجية.

بعض هذا الكلام لا يثلج صدور القواتيين وبعضه الآخر يزعج خصومهم. والمقالة لا ترمي إلى إرضاء أحد ولا تقصد أن تروّج لأفكار أو أن تدحض أخرى، بل تبحث عما يفيد مشروع الثورة لحل أزمة الوطن.

الدولة هي الحل. هذا ما قالته الثورة. تحت هذا العنوان تندرج كل التفاصيل المتعلقة بمحاربة الفساد واستقلال القضاء واستعادة المال المنهوب وإعادة تشكيل السلطة.

ما يضع حزب “القوات” في قلب الثورة، حتى لو كان للخصوم رأي مختلف، هو نقد الماضي. لم تعد حدود الوطن محصورة بين “المدفون والأولي” بل صارت “بين القليعات والقليعة” بحسب تعبير سمير جعجع. الدولة، دولة الكفاءة وتكافؤ الفرص وحكم القانون والمؤسسات، صارت مرجع حزب “القوات” في كل كبيرة وصغيرة. هذا ما جسده من خلال ممثليه في السلطة السياسية. يمكن للثورة أن توظف ذلك في مصلحة الوطن، وألا تخشى لومة لائم، ولكن!

التنافس على التمثيل المسيحي لا يساعد على بناء دولة علمانية. إسم “القوات” لا يتناسب مع ديموقراطية الدولة ولا مع طابعها المدني بل هو أقرب إلى الأسماء الميليشيوية. وهذه ثغرات يدخل منها أعداء الثورة للتشنيع على “القوات” وعلى الثورة.

دولة المحاصصة نقيض لدولة الكفاءة وتكافؤ الفرص. السياسيون يتحاصصون ثروة الوطن وإدارات الدولة وإجهزتها. أما الأحزاب فتتحاصص المواطنين في المدارس والجامعات والنقابات فتنزع عنهم مواطنيتهم وتنعش ولاءاتهم الطائفية، وتستبعد الكفاءة من غير المحازبين.

كلام “القوات” عن بطولات المقاومة، ككلام الآخرين عنها، بمثابة استحضار لعدة الحرب. الصحيح ما قاله صاحب الغبطة، “حررنا الوطن فلنحرر الدولة”. العدو هو من يعيق بناء الدولة.

هذه ليست دعوة لاستبعاد “القوات” من الثورة، بل لاستكمال النقد الذاتي.