11 نوفمبر، 2024

بري ونواب التغيير… المناورة والمبادرة

1 تشرين الأول 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/112078

عوامل عدة أكسبت نبيه بري لقب صمام الأمان. وهو لقب استحقه لوقت قصير خلال عدوان إسرائيل في تموز 2006، إذ بدت إشادته بصلابة موقف السنيورة من مفاوضات وقف إطلاق النار تعبيراً عن اعتدال منحاز إلى مشروع الدولة. غير أنه سرعان ما سحب الإشادة واستبدلها بموقف منسجم مع سياسة الممانعة السورية والحزبللاهية.

لم يكن نظام الوصاية يسمح لأحد في لبنان بأن يكون صاحب قرار. حتى أطراف المقاومة كان يشترط عليها، تحت طائل المعاقبة، ألا تنفذ عملياتها ضد العدو إلا بعلمه وبعد موافقته. القرار كان حقاً حصرياً في عهدة مراكز الأجهزة الموزعة بين الجناح وعنجر ودمشق، ولم يكن يسمح للحلفاء كما للأدوات بغير كتابة التقارير وطلب الزيارة عبر الخط العسكري أو تلبيتها بعد استدعاء.

في زمن الوصاية عن بعد، حاول بري أن يكون على مسافة من رفاق السلاح في جبهة الممانعة، وأن يلعب من موقعه على رأس السلطة التشريعية دور الإطفائي مقابل رؤوس حامية، وبعضها فارغ، بين الموالين للنظام السوري. لم تنجح محاولته هذه إلا من حيث الشكل، لأن صخب عناصر أمل في الشوارع إلى جانب أشقائهم في الثنائي الشيعي من حاملي العصي وراكبي الموتوسيكلات والمعتدين على ثوار 17 تشرين، كانت تفضح الهدوء الظاهر في تصريحاته. في مقر إقامته وبرعايته تشكلت جبهة الممانعة دفاعاً عن النظام السوري المتهم باغتيال رفيق الحريري، وبإدارته تم تعطيل المؤسسة الدستورية الأم وإقفال أبواب المجلس النيابي وتحويل المؤسسات التجارية المحيطة بالبرلمان إلى متاريس ودشم لحماية التعطيل. وبقرار منه ومن سواه تم إخراج الوزراء الشيعة من الحكومة وبفذلكة قانونية منه غير موفقة بدأ التداول بالمصطلحات الشهيرة، غير دستورية وغير شرعية وغير قانونية. عبثاً حاولنا تذكيره بأن أهم حكومة في تاريخ البلاد هي تلك التي اقتصر تشكيلها أيام فؤاد شهاب برئاسة رشيد كرامي على اثنين من السنة واثنين من الموارنة، والتي ينسب إليها بناء لبنان الوطن والدولة الحديثة، وهي التي لم يشكك أحد لا بشرعيتها ولا بدستوريتها ولا بقانونيتها، وهي التي استحقت أهميتها لسبب جوهري قوامه أنها لم تخرج عن تعاليم «الكتاب»، أي الدستور. من هذا الموقع الملتبس بالذات شهر بري سلاح المناورة وبدا ممسكاً بمفاتيح الحلول، ولا سيما في ظل فراغ رئاسي متقطع دام لسنوات، وبهذه المناورة كان يقنع الآخرين بحرصه على إطفاء الصراع وإلغاء الديمقراطية بالتسويات والتوافقات، وإقرار مشاريع القوانين برفع الأيدي والمصادقة على قرارات البرلمان بالمَوْنة الأبوية. منذ اليوم الأول لدخولهم إلى البرلمان يحاول نواب الثورة، ويسميهم البعض تغييريين، أن يكشفوا سر اللعبة في المناورات البرية ويعطلوا مفاعيلها، وقد نجحوا، رغم قصر المدة، أكثر من مرة في إعادة الاعتبار للديمقراطية وأرغموا البرلمان ورئيسه على استبدال التسويات التوافقية والاقتراع برفع الأيدي بالتصويت في الصندوق كخطوة على طريق التصويت الإلكتروني. أما مبادرتهم الرئاسية فهي ضربة معلم موفقة، أصابت مناورة بري وكل أنواع المناورات في الصميم، لأنها حرمته من الظهور في صورة المؤتمن على احترام موعد الاستحقاق وعلى كلمة السر تخرج من جيبه حين تنضج الظروف الخارجية.

بعد أن لوح بإمساكه مفتاح الدعوة لجلسة الانتخاب تعاقبت ظروف وعوامل، من بينها مبادرة التغييريين، لتبين أن المفتاح بلي من الصدأ وأن الجميع يبحثون عن مفتاح جديد. مبادرتهم جعلت الاستحقاق لبنانياً حقاً، ولا سيما أنهم وعدوا بفضح مواقف الكتل من المبادرة ومن التوافق ومن عقد الجلسة ومن تعطيل النصاب. هذا كله جديد على برلمان اعتاد على المصادقة على مرشح يسميه الرئيس السوري أو يجري التوافق عليه بين السفارات أو في كواليس المحاصصة المحلية. رغم حملات العتب أو التشنيع أو الافتراء التي تشن على نواب التغيير، خصوصاً بعد مسرحية الجلسة الانتخابية الأولى، يبقى من المؤكد أن مبادرتهم سحبت كلمة السر من كواليس المناورة وبعثرت حروفها على شبكة الكلمات المتقاطعة.