30 أبريل، 2024

دروس مجّانية لحزب الله

  26-8-2013

يسهل على عديمي الخبرة في حزب الله كيل الاتهام للسلفيين والتكفيريين بتدبير سيارتي الضاحية الجنوبية المفخختين ، كما يسهل على جهلة السلفيين اتهام حزب الله بعبوتي طرابلس . لكن هذا الكلام المجاني ” الخفيف” ، قد يدل على سذاجة من يطلق الاتهام كما قد يكون دليلا على كيده أو على أن وعيه طافح بالتعصب . وفي الحالتين ، يستند العقل الاتهامي على جهل بقوانين السياسة  وقوانين التاريخ ، وعلى ” ممانعة ” عن الاستفادة من تجربة الحرب الأهلية اللبنانية .

هذا الكلام يعني حزب الله قبل سواه لأنه الأكثر تماسكا بين القوى التي تشبهه ، ولأن صاروخ مشروعه الوهمي ( ولاية الفقيه) مدفوع ( بلغة الصواريخ ) بحشوة إضافية افتراضية من المال النظيف و المطامع والطموحات الإيرانية ، ولأنه لم يقتنع بعد بأنه لا يختلف عن  سائر الأحزاب الأصولية الأخرى ، الدينية والقومية واليسارية ، اختلافا نوعيا ، بل يتمايز عنها تمايزا لا يغير من كونه وإياها من جينة واحدة هي ، بالتحديد، الجينة التكفيرية.

كافر في نظر أي جهة حزبية هو من لا يؤمن بما تؤمن ، هو الآخر المختلف ، الذي لا يعترف بدين سواه ولا بأفكار سواه ولا حتى بمخاوفه ، أو  بحقه في “اختيار” أوهامه . وهو ، من باب أولى ، بلغة السياسة ، من يكون مشروعه ، في نظره ، غير قابل لاحتمال الخطأ ، فيكون محكوما بالمضي حتى الحدود القصوى التي لا تقبل التسويات ولا تحسن تدوير الزوايا ولا تعير اهتماما بالرأي الآخر . تلك هي صفات المستبد التي جسدتها الأنظمة والأحزاب الأصولية في التاريخ القديم والحديث ، على اختلاف انتماءاتها السياسية ومنابتها الإيديولوجية. ولا فرق في ذلك بين صدام حسين وستالين والملا عمر . كل من هؤلاء ألغى الآخر المختلف ، ولم يتوقف الأمر عند حدود القضاء على مشروع معاد أو قائد معاد أو خصم أو منافس ، بل بلغ الأمر بالأصولية الاسلامية ، في أفغانستان مثلا، وهو ما بزت به كل أصولية سواها،  حد الجهر بالقضاء حتى على الانجازات البشرية في العلم والحضارة فحطموا تماثيل بوذا وأغلقوا مدارس النساء وعطلوا وسائل الإعلام المرئي .

حزب الله و” التكفيريون ” تبادلوا الاتهامات في زرع عبوات الضاحية وطرابلس ، لكنهما متفقان على عدو نلوذ إلى اتهامه هو، حين يعيينا البحث عن الأدلة أو نعدم القرائن التي تساعدنا على إدانة بعضنا بعضا . إنه أسرائيل ، التي استبعدها كل منهما ، هذه المرة ، والسبب بسيط : لقد مضى كل منهما نحو أقاصي مشروعه وباتت العودة إلى جادة الصواب تحتاج إلى مستوى عال من الحكمة ، وحد أدنى من المعرفة بالواقع السياسي اللبناني وقوانين إدارة الصراع فيه.

أما الحكمة فهي هبة ربانية ندعو الله أن يمنحهم إياها ، بينما لا نملك نحن إلا تذكيرهما ببعض دروس من الحرب اللبنانية .

  1. الحرب الأهلية ، كل حرب أهلية ، في لبنان وفي العالم ، في الحاضر والتاريخ ، لا تنتهي بغالب ومغلوب، بل هي لا تنتهي إلا بخسارة الجميع وبتدخل خارجي يضبط القوى التي تكون قد أنهكت نفسها بالحروب الأهلية ، ويفرض عليها الحل الذي يريده هو والذي قد لا يأخذ بعين الاعتبار إلا مصالح القوى المتدخلة ، على غرار ما حصل بالضبط غداة انتهاء النسخة الأولى من الحرب الأهلية اللبنانية ، حين أوكل الخارج إلى النظام السوري إدارة الوضع اللبناني ، فكان أول ما فعله هو العمل على إلغاء الدولة وتعميم النموذج الاستبدادي ( إلغاء الآخر )  المستلهم من تجربة الأصولية اليسارية ( ستالين ) والقومية ( هتلر) والدينية ( إيران وأفغانستان والسودان  ومحاكم التفتيش القروسطية ، الخ ) .
  2. لا فضل لتكفيري على تكفيري آخر ، حتى بالتقوى ، لأن الكل سواسية في تخريب الدولة وتفتيت وحدة الشعب والوطن ، بالتحريض المذهبي أو الطائفي أو المناطقي ، وفي الإصرار على البحث عن حلول للأزمات السياسية من الباب الأمني الذي يختار لغته ومصطلحاته من التهديد والوعيد وتكبير الكلام  ، ويختار فصحاءه ( البارعين في علوم التحريض ) من الجهلة في علم السياسة والمسيئين  لآداب الحوار .
  3. ثبتت بما لا يدع مجالا للشك استحالة  استفراد أي طائفة بحكم نفسها أو تحكمها بسواها ، وبالتالي استحالة كل المشاريع الفئوية والمناطقية والمذهبية .
  4. وثبت  “بالوجه الشرعي ” أن الانحياز إلى مشاريع ما فوق وطنية ( قومي وأممي وديني ) كالانحياز إلى مشاريع ما دون وطنية ( مذهبية وطائفية ) ، كلاهما انحياز ضد الوطن والدولة لصالح قوى خارجية أو لصالح الاستبداد.
  5. لا حل للأزمة اللبنانية وأزمات بلدان المنطقة كلها إلا بقيام دولة القانون والمؤسسات بديلا عن الدولة القائمة على المحاصصة ، كما في لبنان أو العراق ، أو على حكم الحزب الواحد والحاكم الفرد ، أو على الحكم الوراثي . كلها أنظمة استبداد ولا حل إلا بالتعدد والديمقراطية.