13 أكتوبر، 2024

كائنات خرافية تحكم لبنان

21 آب 2021

https://www.nidaalwatan.com/article/55696

نيرون لم يجد طريقة ليعيد بناء روما”على ذوقه” إلا بإحراقها. سياسيونا يستلذون بإحراق البلاد إكراماً لمحتليهم. اليسار ساعد الفلسطينيين على التدمير واليمين فتح ذراعيه لاستقبال الصهاينة، مسلمون ومسيحيون ناشدوا حافظ الأسد واستجدوه واستدرجوه، ولم يخيب آمالهم، بل كان في انتظارهم وظل إصبعه على الزناد حتى بعد انسحاب جيشه من لبنان.

كتب الخوري يوسف عون عام 1969 في جريدة النهار “لو كنت شيعياً لما بكيت الحسين. إذا شئنا أن نُكَرّم البطل وصفناه بالبطولة حتى تفعل بطولته فينا. أما البكاء فهو تقليلٌ من قيمة من نحب وتسفيهٌ لرأيهِ في الاستشهاد. “أما كان أفضل للشيعة أن يعظهم مثل هذا الخوري بدل مشايخ بكّائين يفتحون كتب التاريخ على صفحات أرتحششتا و قورش ويرفعون بدل العلم اللبناني أعلاماً شتى من أغربها علم “يا حسين” المرفوع على التلال والمكتوب بصخور نافرة على السفوح. أما كان أفضل للبنانيين أن تكون كل السلالة العونية من ضلع هذا الخوري؟

“الثلاثون عاماً” خدعة بصرية. تكفي لحظة واحدة من ثوان معدودة ليوقّع فيها مسؤول على سرقة موصوفة، ليقرر فيها مهرّب أو محتكر نهب المال العام، ليحوّل حديث النعمة ماله المسروق إلى الخارج، ليعقد السياسي صفقة على حساب الخزينة. شعار “الثلاثون عاماً” صنع خصيصاً لكي تختبئ تلك اللحظات في طيات الزمن وتضيع الحقيقة، لكي يرمي كل منهم التهمة على الآخر ويختفي الدليل.

في لحظة معينة من الثلاثين عاماً تقرر إقفال المجلس النيابي، وفي لحظة معينة تقرر الهجوم على بيروت، وفي لحظة معينة تقرر إدخال لبنان في حرب تموز، وفي زمن محدد عقدت صفقة البواخر، وأبرمت اتفاقات الفيول ومنعت قروض وبددت هبات وضاعت على اللبنانيين فرص الإنارة على مدار الساعة.

في لحظة معينة منحت شهادات جامعية لطلاب من غير أن يخضعوا لامتحان، وفي لحظة معينة قرر القاضي حفظ ملف المزوّرين لأنهم من أتباع زعيمه. وعلى غفلة من كل اللحظات بات في طاقمنا السياسي نواب ووزراء يحملون شهادات مزورة أو ألقاباً غير مستحقة.

حتى لا تقع الثورة ضحية الخدعة البصرية، عليها أن تصوب على تلك اللحظات التي تقرر فيها انتهاك الدستور بتعطيل الانتخابات الرئاسية وتعطيل عمل المجلس النيابي ومنع تشكيل الحكومات وتعطيل السلطة القضائية وتعطيل إنشاء المعامل لتوليد الكهرباء، أو بتهريب النفط والعملة الصعبة إلى سوريا، والأدوية والمواد المدعومة إلى مصر وتركيا والكويت وأفريقيا.

حكامنا يمنعون القضاء اللبناني من جلاء الحقيقة في جريمة المرفأ ويتهمونه بتسييس القضية ويعترضون على القضاء الدولي بدعوى أنه منحاز، ولا يوافقون على رفع الحصانة عمن يمكن أن يكون متهماً من النواب والوزراء والرؤساء. جريمة التليل كشفت واحدة من تلك اللحظات. خزنوا البنزين والمازوت في باحة قصر استأجرها مسلم من مسيحي، وفي قرى موزعة بين عكار وبعلبك والجنوب والضاحية وموزعة بين الأحزاب الحاكمة. وحدة وطنية بين المهربين والمحتكرين ومكتنزي الذهب الأسود، واحتياطيهم الجاهز عند اللزوم تنكيل بالموجوعين وتهديد دائم بإضرام نار الحروب بين الطوائف،

أخطر ما في تلك اللحظات أنها صارت هي الزمن اللبناني الدائم. رغم الإجماع اللبناني والعربي والدولي على أن مدخل الحل للأزمة النقدية المالية الاقتصادية السياسية في لبنان هو تشكيل حكومة، تكدست اللحظات وتحوّل تشكيل الحكومة إلى ما يشبه لعبة الفأر والقط. بين بحث عن الصلاحيات المفقودة وصحة التمثيل وتحاصص الوزارات والإدارات كأنها ملك أبيهم. وأخطر ما في هذا التكرار ترويض الجمهور وتعويده على الانتظار في الطوابير المذلة أمام الأفران ومحطات الوقود.

هل هي مخلوقات غريبة خرافية عجائبية أم هي من كوكب آخر تلك الكائنات التي تحكم لبنان؟ أم هم بشر تجري في شرايينهم سوائل أخرى غير الدم، وأعصابهم من خيطان المصيص وفي رؤوسهم أدمغة بحجم عقول العصافير وأرواح كراسيهم كأرواح الهررة تدوم وتدوم وتدوم؟

ترى الشيعية السياسية أن كل ما يحصل هو من علامات ظهور المهدي أو عودة موسى الصدر أو رجوع النظام الأسدي. والصحيح أنه من علامات الساعة، ساعة الحقيقة والانفجار الكبير، حيث لا ينفع مال مكنوز ولا محاصصات مشبوهة ولا حصانات مزورة ولا “مقالب” تنافسية على الأكثر تمثيلاً أو على الأكثر تسلطاً.

كأنّ أحمد شوقي قصد هذه الكائنات في قوله:”تُخال من الخرافة وهي صدق”. مخلوقات من لحم بلا دم.