25 نوفمبر، 2024

في نقد 13 نيسان كمال جنبلاط (4)

https://www.nidaalwatan.com/article/166405

قامتان بين السياسيين اللبنانيين، لا ثالث لهما وربما لا رابع ولا خامس ولا عاشر، فؤاد شهاب وكمال جنبلاط. خطأ واحد كان كفيلاً بطي صفحة المآثر. فؤاد شهاب والمكتب الثاني؛ كمال جنبلاط والقضية القومية.

تعلمت من كمال جنبلاط معنى النقد البناء، مثلما تعلمت النقد الذاتي من الحزب الشيوعي. كان الاتحاد السوفياتي قد منحه جائزة لينين التي تمنح عادة لكبار المناضلين في العالم، وحين اعتلى المنبر خطيباً أو محاضراً في العيد الخمسين للحزب الشيوعي اللبناني، تجرأ على الاشتراكية الأممية ونعتها بأنها غير إنسانية. في ظنّه أنّها صممت لخدمة السلطة لا لخدمة الإنسان.

أما الجرأة التي دفع حياته ثمناً لها فهي حين رفض عرضاً «سخياً» من حافظ الأسد بإقامة وحدة بين البلدين. من موقع الوطني الواثق لم يقبل بإدخال اللبنانيين في السجن العربي الكبير.

سأله الصحافي الفرنسي عما يريد أن يحققه في الحرب الأهلية، قال إنه ينشد ما نشدته الثورة الفرنسية. الحرية، حرية الإنسان الفرد وديمقراطية النظام السياسي. أحد عناوين الفصول في كتابه، “من أجل لبنان” المنشور بالفرنسية في باريس، “ما نفع الخبز من غير الحرية

السياحة المفضلة لديه صومعات بوذية أو براهمانية في الهند. حين زار السودان بصفته وزيراً للداخلية في لبنان استبدل برنامج الاستقبال الرسمي المعد له بزيارة صومعات المهدي، مبرراً ذلك بأنّ السجون ومديريات الأمن وهراوات الشرطة متشابهة في كل بلدان العالم.

الزاهد بالمال والسلطة الموزع أملاكه على الفلاحين من أهالي القرى، الشاعر والفيلسوف وعاشق الصومعات، الزعيم اليساري بلا منازع ولا ينافسه على الزعامة الوطنية غير الحساد، فأي شيطان وسوس له ليدخل في معمعة 13 نيسان؟

اتهمه خصوم ومحبون بأنه طامع برئاسة الجمهورية، لكن البرنامج المرحلي للحركة الوطنية، وهو أمه وأبوه، لا يشي بغير الإصلاح الديمقراطي للنظام السياسي، أي رد المارونية السياسية إلى رشدها الوطني فحسب، بما يساعد على بناء وطن ومواطنية ودولة تعزز الحرية المحظورة في العالم العربي.

قبل 13 نيسان بعامين كان جنبلاط قد ترأس جبهة أحزاب عربية لمساندة للثورة الفلسطينية. لم ينتبه إلى أن تلك الأحزاب وامتداداتها في لبنان هي وليدة استبداد قروسطي متنوع النسخ ومطعم باستبداد سلطاني وبآخر توتاليتاري وإلى أن الثورة الفلسطينية سليلة «الثورة العربية الكبرى» وأنظمة الانقلابات العسكرية الباحثة كلها عن السلطة لا عن الدولة. فهل يمكن لهذا الإرث الاستبدادي أن يبني قضية وطنية؟

لا شك في أن مساندة القضية الفلسطينية واجب وطني وقومي، إلا أن هذه المساندة جعلت جنبلاط، بحسب تعبير محسن ابراهيم، يذهب بعيداً ومعه حركته الوطنية ، “في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة فوق ما يحتمل طاقة وعدالة وإنصافاً، مستسهلين ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق إلى التغيير”
جبهة المساندة ولدت تعويضاً عن غياب رمز النهوض العربي جمال عبد الناصر، الذي لم يكن محط إعجاب جنبلاط وحده بل ومعه كل جيل النكبة الفلسطينية وكان من الطبيعي أن تكون الحركة الوطنية اللبنانية سليلة هذا الإعجاب. ربما كان على جنبلاط، وهو المتفوق علماً ومعرفة واستشرافاً أن يستخلص من درس العلاقة بالنظام السوري أن الحرية لم تكن موضوعة على جدول عمل أي نظام عربي بما في ذلك النظام الناصري، وأن أحزاب الحركة القومية أساءت إلى القضية القومية ولاسيما إلى الحرية والديمقراطية. وليد جنبلاط استدرك لاحقاً أن تنظيم الخصومات الداخلية أكثر جدوى للوطن والدولة من حلفاء الخارج.