28 مارس، 2024

في نقد 13 نيسان (6)اليسار الشيوعي

https://www.nidaalwatan.com/article/168154

كل حزب شارك في الحرب الأهلية متهم من قبل خصومه بارتكاب أخطاء، هو وحده المخوّل بتبريرها والدفاع عنها. لكن هذه السلسلة من المقالات في نقد 13 نيسان معنية فحسب بتداعيات تلك الأخطاء على خطيئة أصلية ارتكبها الجميع، كل على طريقته وبأسلوبه، نعني بها الموقف من وطن إسمه لبنان ومن سيادة الدولة على حدوده وداخل حدوده.

نعني باليسار الشيوعي التنظيمات التي تعتمد الماركسية، اللينينية أو الماوية أو التروتسكية، إيديولوجية لها. الحزب الشيوعي اللبناني احتكر تمثيل اليسار منذ تأسيسه عام 1924، واقتطعت منظمة العمل الشيوعي حيزاً لها، من موقعها معه شريكاً وتوأماً، بقيادة محسن ابراهيم وجورج حاوي، منذ بداية تشكيل الحركة الوطنية اللبنانية وحتى اتفاق الطائف.

محسن ابراهيم اعترف جهراً بما قاله جورج حاوي تلميحاً في المؤتمر السادس للحزب: «ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، واستسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق إلى التغيير الديمقراطي».

لا يعنينا من سرديات 13 نيسان أخطاء القوى المشاركة بل مسؤولية تلك الأخطاء عن ارتكاب الخطيئة الأصلية. ذلك أنّ انحياز اليسار الشيوعي غير المشروط للقضايا القومية عموماً، هو بمعنى من المعاني تفريط يساري بوحدة وطنية تشكو أصلاً من الهشاشة، وانحيازه للقضية الفلسطينية وتنظيماتها المسلحة خصوصاً هو خرق للقوانين وانتهاك صريح للدستور واعتداء على سيادة الدولة اللبنانية.

يمكنني القول براحة ضمير، إن الأوساط القيادية في التنظيمين الشيوعيين، تتبعها القواعد الحزبية، لم تكن راضية تماماً بالنقد الذاتي الصريح ولا بالتلميح، لا لأنه لم يقابل «بما يعادله وضوحاً أو يلاقيه صراحة على الضفة الأخرى»، على ما جاء في كلام صاحب النقد، بل لأن المتقاتلين على الضفتين، ومن بينهم اليسار الشيوعي، كانوا لا يزالون مشدودين إلى المواقف القديمة المستلة من السرديات الأولى للحرب الأهلية، أي إلى انقسامات تغذيها وتزودها بالمفردات أطراف الخارج وصراعاته.

الخطيئة الأصلية ذات حدين. حدّها الأول الحرب الأهلية التي هي حرب على الدولة أولاً. وحدّها الثاني موقف اليسار الشيوعي من الدولة والسيادة السابق على الحرب الأهلية في الممارسة وفي الأساس النظري.

صحيح أن اليسار واجه انتهاكات إسرائيل السيادة اللبنانية، وكانت مقاومته الاحتلال صفحة مشرقة في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيوني، لكنه كان يهلل ويبتهج ويتظاهر تأييداً لانتهاكها من جانب النظام السوري حين كان يقفل الحدود بين البلدين في نقطة المصنع، أي في المنطقة التي وضع فيها فؤاد شهاب نقاط ترسيم للسيادة في خيمة اللقاء بالزعيم العربي جمال عبد الناصر.

في الممارسة، مضحك مبك التفاضل في استدراج الخارج والتغطية على انتهاكه السيادة بالاحتلال أو بمنع قوى الأمن من الإشراف على المعابر أو بفتح معابر غير شرعية. ويتحول المضحك إلى مأساوي حين يكون التفاضل بين انحياز لياسر عرفات ضد حافظ الأسد أو العكس، وحين يحكم على عميل إسرائيلي بالخيانة بينما يرفع للمتعامل مع مخابرات صديقة أو شقيقة نصب تذكاري.

أما الأساس النظري فواضح كالشمس. الدولة الاشتراكية لا تتوافر فيها مواصفات دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والحريات والديمقراطية. هذه كان يسميها اليسار دولة الطغمة المالية أو الدولة الطائفية، وكان يسعى إلى إقامة دولة الطبقة العاملة بديلاً منها.

الديمقراطية لا الحرب هي السبيل الأيسر والأقل كلفة لإدخال تعديلات ديمقراطية على الدستور.