16 أبريل، 2024

في نقد 13 نيسان (9)المثقف القومي

17 أيار 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/171414

«لا تسقط ورقة من شجرة إلا بعلم الشجرة جميعاً». هذا قول لجبران خليل جبران، معناه مستلهم من الأناجيل، ومعتمد في القوانين التي تلغي أحكام الإعدام، إنطلاقاً من مسؤولية المجتمع عن أعمال الفرد، ومن مسؤولية كل فرد في المجتمع عن الوطن والمصير والمستقبل.

للمثقف، من موقع اهتمامه بالشأن العام، دور فاعل في الأزمات، يؤثر ويتأثر، خلافاً للمتعلم المنغلق على اختصاصه الذي يتأثر بالأحداث مثلما يتأثر غير المدخنين بمفعول التدخين السلبي. المثقف سلاحه الكلمة والفكرة وما يملكه من الوسائل غير العسكرية، أي، فضلاً عن صناعة الأفكار، الترويج لها في المدارس والمساجد والكنائس والأندية وعلى المنابر وفي الصحف ودور النشر.

فلسفة نيتشه متّهمة بأنها وراء مشروع النازية السياسي، مثلما هي فلسفة ماركس وراء مشاريع الثورات المعاصرة. هذا يقال عن الأفكار التي أضرمت حروباً دينية ومذهبية على مر التاريخ وحتى أيامنا. وكل مثقف لبناني مدان، أياً تكن مدرسته، القومي والماركسي والعلماني والإسلامي والمسيحي، إلى أن تثبت براءته، ولن تثبت، لأن معيارنا في النقد هو أولوية الوطن والدولة.

المثقف القومي في لبنان، متورطاً في حرب 13 نيسان أو متفرجاً، استند إلى إيمانه بأولية القضايا القومية ولا سيما القضية الفلسطينية والوحدة العربية، على الوطن والدولة في لبنان. أتبنى ما قاله النقيب رشيد درباس الجريء في نقد ما يسميه الخيبات والخديعة: «هناك كثير من اللبنانيين أحبوا فلسطين أكثر من لبنان، آمنتُ في مراهقتي بالقومية العربية لكني تأكدت لاحقاً أنها فكرة عظيمة تولاها أشرار» لأنهم بحسب رأيه اعتمدوا سياسة حرق المراحل، وهي السياسة ذاتها التي اعتمدها من أساء حمل الأمانة الماركسية.

النقد لا يقلل من قيمة القضية الفلسطينية بل يعيد النظر بالأثقال التي حملتها بسبب أخطاء بنيوية في منهج التفكير القومي. فقد انطلق المثقف القومي في دعمه قضية فلسطين، من أنّ اغتصابها هو عدوان على وحدة الوطن العربي، وأن هدف الاستعمار من إقامة دولة إسرائيل هو تجزئة العالم العربي بوضع حاجز جغرافي بين الجزأين الإفريقي والآسيوي منه. قد لا يكون هذا الاعتقاد خاطئاً، لكن الصحيح والأكيد أنّ الصهيونية أدركت أبعاد الحضارة الرأسمالية الصاعدة فتناغمت معها، فيما رزح الفكر القومي تحت غياهب جهله بما استجد على حضارات الشعوب.

المثقف القومي لم يحسن قراءة التجربة الرأسمالية في بلاد المنشأ، ولذلك اعتمد فهماً مغلوطاً لبناء الأوطان الحديثة، فناضل بعضهم لا لتحرير فلسطين فحسب بل لجعلها جزءاً من أمة ولو تحت نير الاستبداد، بينما كان الفلسطينيون يناضلون من أجل استعادة وطن وبناء دولة على أي شبر يحرر من أرض فلسطين.

مساران تصادما. القضية ملك شعبها أم ملك الأمة كلها؟ إذا كانت ملك شعبها فمنظمة التحرير ممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وإلا فالقيادة مسؤولية عربية، وفي الحالتين توافق على التضحية بدولة موجودة من أجل استعادة وطن ودولة.

المثقف القومي يؤمن بوطن واحد لا بأوطان. فالأوطان تجزئة لأمة ممتدة بين المحيط الهادر والخليج الثائر، أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، بحسب حزب البعث. في هذه الأمة وطن واحد هو الوطن العربي، أما الأوطان ومنها لبنان فهي صنيعة الاستعمار

عدم الاعتراف الضمني بوجود وطن سوّغ للمثقف القومي في لبنان عدم الدفاع عن الوطن واستسهل الانحياز لقوى خارجية لتخريب الدولة.

آن الأوان أن يلج المثقف القومي في لبنان كما سائر مثقفي الحرب الأهلية باب القراءة النقدية لما اقترفته أفكارهم بحق الوطن والدولة ؟