24 أبريل، 2024

ليس دفاعاً عن رياض سلامة

20 أيار 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/172654

لست مؤهلاً للدفاع عن رياض سلامة، فلا الاقتصاد اختصاصي ولا القضاء مجال عملي، ومنيت النفس بأن تكون الحملة عليه شكلاً من أشكال التعبير عن انفراج الأزمة وانفتاح باب الحل. مع ذلك استفزني أن ترمى التبعات على عاتقيه كأنه الفاسد الوحيد، واستفزني بشكل خاص أن يتولى نواب التغيير استكمال هجوم بدأته القاضية المعزولة غادة عون كرمى لعيون تيارها البرتقالي وختمته قاضية فرنسية يمكن القول إنّها غير مثقفة، إذا ما طبقنا تعريف جان بول سارتر عن المثقف، أو أن ثقافة القضاء الفرنسي في شأن السياسة اللبنانية يتناسب طرداً مع ثقافة الساسة الفرنسيين، فقرار قصر العدل الفرنسي، على ما يبدو، يشبه قرار قصر الإليزيه في ما يتعلق بشأن الرئاسة اللبنانية.

المعيار الذي أعتمده هو ما قالته الثورة منذ يومها الأول. الوجع مالي والمرض سياسي. كل من هو في موقع المسؤولية في الدولة مسؤول عن الأزمة. لا أحد فوق الغربال. لا زعيم ولا رئيس ولا وزير ولا نائب ولا موظف كبير. وبنود الحل واضحة في برنامج الثورة، استقالة الحكومة وإعادة تشكيل السلطة السياسية من خلال انتخابات نيابية مبكرة، محاسبة المسؤولين المباشرين عن الأزمة، على أن يترك للقضاء المستقل محاسبة سائر المسؤولين جزئياً أو بطريقة غير مباشرة. هذا هو معنى ثورة تحت سقف الدستور.

المسؤولون المباشرون واجهوا الثورة وبرنامجها ولم يستجب لمطالبها غير الرئيس سعد الحريري الذي استقال من رئاسة الحكومة ومن العمل السياسي، فيما ظل الآخرون قابعين في مراكزهم ولم يقدموا أي حل بل عملوا ما في وسعهم لمنع كل الحلول الممكنة، وأهدروا فرصاً وأمعنوا في انتهاك الدستور وما زالوا مستمرين في مواقعهم حتى لحظة تعطيل الانتخابات الرئاسية.

أخطر ما في الأزمة ليس الانهيار المالي، بل تهرب المسؤولين عن الانهيار من تحمل مسؤوليتهم عنه. منذ بداية الثورة حذرنا من التركيز على الثانوي وإغفال الأساسي، وقلنا لأهلها «لا تسددوا خارج المرمى». أما السلطة فكانت من خلال أدواتها وأجهزتها تضرم النار في هشيم قضايا وأحداث وظاهرات فساد ثانوية أو جزئية، وتمعن بتعطيل الحلول والتمادي في سرقة المال العام حتى في ذروة الانهيار وتبديده على صفقات مشبوهة.

قرار القاضية الفرنسية، ومعه تهليل المهللين، تسديدة خارج المرمى. أزمة لبنان ليست ناجمة من تبييض الأموال ولا من تهريبها، بل من سرقتها. ولم يرد في برنامج الثورة إلا كلام عن استعادة الأموال المنهوبة وبالتحديد الأموال العامة. والناهبون هم المسؤولون عن قرارات الإنفاق، وإذا كان لهم شركاء في النهب فالمحاسبة تبدأ بمدير الشركة لا بأعضاء مجلس الإدارة.

تسديدة خارج المرمى. لو سألنا سعادة القاضية عن مآل الأزمة بعد تحميل رياض سلامة المسؤولية عن الأزمة كلها أو بعضها؟ من هو البديل، أمام من سيتلو قسم اليمين؟ لماذا امتنعت الدول والمؤسسات المالية العالمية عن تقديم أي دعم مشترطة على الحكومة اللبنانية الشروع بإصلاحات سياسية؟

لقد حققت الثورة تقدماً في مسارها. بقوة ضغطها استقالت حكومة سعد الحريري وبضخامة جريمة المرفأ انهارت حكومة أسعد ذياب، وبقوة الناخب اللبناني أعيد تشكيل السلطة الاشتراعية جزئياً إما بتغيير نواب أو بتغيير سياسات آخرين أفراداً أو كتلاً. فباتت ألاعيب التعطيل وانتهاكات الدستور مفضوحة ومحدودة.

معركة تربح بالنقاط لا بالضربة القاضية وسيكون انتخاب رئيس للجمهورية نقطة إضافية يبدأ منها استكمال مسار التغيير من أجل قضاء مستقل، قضاء لبناني، يتولى بنفسه إدانة المذنبين ومحاسبة الفاسدين ومعاقبة كل السارقين.