11 نوفمبر، 2024

في نقد 13 نيسان(9)كراسات الكسليك

24 أيار 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/174520

عام 1967، أي بعد عام على أحداث 13 نيسان، صدر عن جامعة الروح القدس في الكسليك إثنتان وعشرون كراسة تحكي عن الحرب وأسبابها وسبل الخروج منها، وتشكل الأساس النظري لكل الأخطاء السياسية التي ارتكبتها المارونية السياسية قبل الحرب وخلالها، والتي استندت إليها إيديولوجية التعصب المسيحي في مواجهة الخصوم، مسلمين وعرباً وفلسطينيين ويساريين.

لعبت الصدفة دورها في صدور الكراسات عن هذا الصرح العلمي. الرهبانية المارونية هي التي أسست الجامعة، ورئيس الرهبانية في ذلك الوقت كان عضواً ناشطاً في الجبهة اللبنانية، فكان من الطبيعي أن يحشد، من موقعه السياسي هذا، لا من موقع الجامعة الأكاديمي، نخبة من أهل الفكر، ويلقي على عاتقهم مهمة تأمين العدة اللازمة في حرب الأفكار، أي في ما كان يسميه الشيوعيون نضالاً إيديولوجياً.

إذا لم تكن وجهة هذه الكراسات واضحة وصريحة في كل العناوين، فبعضها يكفي دليلاً على صدورها من موقع طائفي، إما رداً على أفكار طائفية على الضفة الأخرى، إما ترجمة لمفاهيم مغلوطة عن الوطن والدولة والأمة.

ماذا تعني عناوين مثل لبنان «أمانة في عنق الموارنة»، «لبنان الكبير مأساة نصف قرن»، « لبنان المستقبل من الإنصهار السياسي إلى الإنشطار النفسي والجغرافي»، «امتيازات الطوائف الإسلامية في لبنان»، «بين العلمنة وإلغاء الطائفية السياسية»، «أربع صيغ جديدة لبناء لبنان الجديد»؟

الوظيفة السياسية لهذه الكراسات لا تحتاج إلى الغوص في متونها بحثاً عن المعاني، لأنّ الغاية من صدورها واضحة في العناوين، فهي كلها تنطلق من وقائع سابقة على الاستقلال، كالذمية ولبنان الكبير، أو من ثنائيات، مسلم- مسيحي، لبناني–عربي، لبناني- فلسطين- غريب، ووظفتها لصالح الانقسام الطائفي وشد العصب المسيحي حول ممثلي المارونية السياسية.

حولت الكراسات دور الكنيسة المارونية في تأسيس الجمهورية اللبنانية إلى مشروع سياسي عنصري عنوانه الوطن القومي المسيحي. أما مشاريع الطلاق اللاحقة كالتقسيم والفدرلة فهي تستند إلى الكلام عن الانشطار النفسي والجغرافي وعن تعديل الصيغة، لأنّ الصيغة القديمة ليست سوى «محنة» أو «مأساة». حتى انتفاضة 14 آذار الرائعة في مواجهة الوصاية السورية على لبنان لم تسلم من تلك اللغة الموروثة التي تضمنت مفردات انقسامية مثل حضارتين ولغتين وثقافتين وفسطاطين.

الدول الحديثة أدرجت هذه الثنائيات والاختلافات اللغوية والإتنية والدينية وسواها في خانة التنوع، أمّا الكراسات فقد ركزت على شعار «التعددية الحضارية» مقابل شعار العروبة على الضفة الأخرى، أو مقابل خلط موروث بين العروبة والإسلام – سنخصص له لاحقاً مقالة من ضمن هذه السلسلة النقدية- وضمنت شعارها هجوماً مقذعاً على العروبة وعلى الإسلام، هو بمثابة استدراج لهجوم مضاد ضروري لشد العصب.

تبدو لغة الكراسات غريبة عن اللغة الأكاديمية الجامعية وغريبة أيضاً عن لغة البطركية المارونية ودورها الجامع. فهي تقرر أن إله الإسلام هو إله السطوة والبطش، وأن اللغة العربية كما العروبة كرنفال ترمي العقل العربي في الانحرافات، وأن هذا العقل غيبي مغرور وسخيف ومتخلف وساذج وسلفي لا يتطلع إلا إلى الماضي وإلى مقابر الزمن، وهو ما زال في مرحلة الشعوذة والسحر. كراسات «لم تبق للصلح مطرحاً»

في ظل الظروف التي يتهدد فيها مصير لبنان، وبعد مرور خمسين عاماً على صدور تلك الكراسات، يمكن لجامعة الروح القدس في الكسليك، من موقع حرصها على مستقبل الوطن وسمعتها الأكاديمية العطرة، أن تنظم مؤتمراً وتصدر كراساً واحداً عنوانه إعادة بناء الوطن والدولة. الوطن السيد المستقل ودولة الحريات والديمقراطية والقانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص.