2 مايو، 2024

في نقد 13 نيسان (19)منظمة التحرير الفلسطينيّة

12 تموز 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/188132

أقمت مقارنة في إحدى مقالاتي بين أيلول الأسود الأردني واتفاقية القاهرة، تناولت فيها حجم الأكلاف الناجمة عن كل منهما، وخلصت إلى القول بأن الفلسطينيين دفعوا الثمن البشري باهظاً وما زالوا يدفعونه حتى اليوم، غير أنّ أيلول الأسود كان أقل كلفة على الأردن، مع أنّه أسود على الفلسطينيين، من اتفاقية القاهرة على لبنان. لم توافق الجريدة على نشرها لعدم موافقتها على نقد الماضي. كان ذلك أحد أسباب توقفي عن النشر فيها.

معياري في قياس الكلفة على غير الفلسطينيين هو تأثير ذلك على الدولة. أيلول الأسود حمى الدولة في الإردن فيما اتفاقية القاهرة افتتحت ورشة تدمير الدولة في لبنان. لم يعتمد هذا المعيار إلا قلة من المسؤولين اللبنانيين، أبرزهم ريمون إده ورشيد كرامي، فيما وافق المجلس النيابي بشبه إجماع على الاتفاقية وهلّل لها اليسار اللبناني ورأى فيها انتصاراً للحركة القومية ولحركة التحرر الوطني العربية وللقضية الفلسطينية.

إستدركت الأحزاب المسيحية خطر الاتفاقية بعد التوقيع عليها. وتمسكت منظمة التحرير الفلسطينية ببنود تمنحها حرية الحركة لا في منطقة العرقوب من جنوب لبنان فحسب بل في المخيمات وفي الطرق المؤدية إليها، فكان من الطبيعي أن تحصل اصطدامات بين سلاح لحماية السيادة اللبنانية وآخر يعتدي عليها. بدأت باحتكاكات وانتهت بحادثة عين الرمانة في 13 نيسان التي كانت شرارة أشعلت الحرب الأهلية.

الرعاية المعنوية للاتفاق انطلقت من مصر ولم تدم طويلاً، ليتسلم النظام السوري أمر التطبيق العملي. منظمة التحرير بدأت بتنفيذ البنود المتعلقة بالسلاح والتدريب وحرية الحركة داخل المخيمات وفي الطريق منها وإليها وانتهت بصدامات مع الجيش ومظاهرات دعم له وأخرى ضده أفضت كلها إلى تفكيكه وانهياره، أي إلى تشريع أبواب لبنان ساحة وحدوداً على كل أنواع الصراعات المسلحة والمساومات على القضية الفلسطينية، وانتهت بإفلات زمام الأمور من يد اللبنانيين حتى في موضوع الإصلاح السياسي للنظام.

الإصلاح السياسي تحقق بعد مروره بدمشق والرياض والمغرب العربي، أما منظمة التحرير فقد رأت أن الطريق إلى القدس تمر في جونيه. لم يخرج هذا التصريح عن طريق الخطأ من فم أحدهم. هو كلام صادر عن سابق تصور وتصميم، وأطلقه صاحبه وهو في كامل وعيه الثوري. زميل له وجه لنا في اجتماع القيادة المشتركة في الجنوب تهنئة بثلاث مناسبات متزامنة، من بينها سقوط حكومة الوحدة الوطنية في لبنان يومذاك.

بعد ترحيل المسلحين إلى تونس أصر ياسر عرفات على العودة إلى لبنان ولو من عاصمة الشمال طرابلس ليستعيد تحرير فلسطين عن طريق جونية. وهو قدّم للمجتمع الدولي دليلاً على جدارته بإدارة دولة في فلسطين استناداً إلى نجاحه في إدارتها في لبنان.

منظمة التحرير استهدفت الجيش اللبناني وحده من أجهزة الدولة ومؤسساتها، لذلك كانت تعارض أي حل يقضي بدخول قوات منه إلى الجنوب. تماماً مثلما فعلت سوريا والمقاومة عندما منعتا دخوله حتى إلى منطقة جزين غداة انسحاب جيش الاحتلال منها. ولم تجد هذه المعضلة حلاً لها إلا بمقتضيات القرار 1701 غداة «النصر الإلهي» في شهر آب من العام 2006.

ناضلت منظمة التحرير لإقامة «دولة فلسطينية على أي شبر يحرر من أرض فلسطين»، لكن معنى الدولة في قاموسها كان يختصر بالأجهزة الأمنية والجيوش، على الطريقة العربية، انقلابات وانشقاقات تفضي إلى انحلال الدولة.

لم نندم على نضالنا من أجل القضية. لكن الدولة الفلسطينية التي أقاموها، ولو منتقصة السيادة، صارت دولتين. إنها الثقافة الثورية ضد الدولة.