3 ديسمبر، 2024

شقاء العرب أم خروجهم من التاريخ؟

27 كانون الأول 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/238325

«تأملات في شقاء العرب» كتاب لسمير قصير (دار النهار)، وخروج العرب من التاريخ كتاب لفوزي منصور. كلاهما بحث عن عجز الأمة عن مواكبة الحداثة وعن الخوف من طوفان الرأسمالية. ليسا وحيدين. ما من أمر أحيط بالاهتمام كأزمات العالم العربي المتراكمة منذ شكيب إرسلان وتساؤله عن تقدّم الغرب وتخلّف المسلمين حتى «طوفان الأقصى».

يطرح مثل هذا السؤال عند منعطفات التاريخ. عند بلوغ الحضارة مرحلة شيخوختها يتهيأ مولود حضاري جديد للخروج من صلبها. الحضارة العربية ليست عاقراً، القابلة السياسية هي المسؤولة عن ولادة قيصرية. صرخ الشاعر محمد الماغوط باسم المولود قائلاً، «أنا قطعاً لم أكن موصولاً إلى رحم أمي بحبل سرة بل بحبل مشنقة».

كسلاً أو تكاسلاً أو تشاؤماً، قيل «العرب جرب»، ومعناه أنّ العروبة وباء. ومن موقع التباهي الأجوف تفاخر بعضهم بقومية عربية في شعر المتنبي أو في قصر الحمراء في غرناطة. بين التشاؤم والتباهي عكف آخرون على التفكير بحثاً عما أسماه سمير قصير «الشقاء العربي»، أو فوزي منصور «الخروج من التاريخ»، أو سمير أمين «التطور اللامتكافئ» أو مهدي عامل «أزمة البرجوازية» أو أدونيس، «غلبة الثابت على المتحول» في الفكر العربي.

قد يكون سمير قصير قاسياً في تحميل العروبة مسؤولية التخلف. حكم لا يخلو من الصحة لأن المرحلة القومية الأوروبية هي أسوأ ما أنتجته الرأسمالية. «اللحظة القومية العربية»، حتى لو كانت في نظر المتعصبين استثناءً، أثبتت القاعدة.

استدرك قصير قائلاً، ليست السبب الوحيد. «البيروقراطية شلّت الأجهزة الاقتصادية في مصر» توريث السلطة، التواطؤ مع الأصولية الإسلامية، الترويج لثقافة الموت. «التشكيك بالوحدة الداخلية وقلة الثقة التي يوليها الشعب للمؤسسات»، حتى مصر التي يعود تاريخ الدولة فيها إلى آلاف السنين، والتي شهدت أيام سلالة عصر محمد علي نهضة رائدة في الصناعة والزراعة وأيام الناصرية نهضة في الآداب والفنون لم تحظ بمباركة الإسلام السياسي.

الأزمة الأخطر في نظره هي أزمة الدولة. فالأنظمة «قبلت بالتنازل طوعاً أو كرهاً عن سيادتها في مجال الاقتصاد والمال». هل يلتقي قصير مع سمير أمين في ضرورة بناء «اقتصاد متمحور على الذات»؟ لكن السيادة الوطنية اليوم لم تعد تحمل مضمون البدايات، وخصوصاً في الاقتصاد، حيث أنّ هوية الرساميل تتحدد بقدرتها على اختراق حدود الأوطان والدول، وعلى التداول بمصطلحات مالية ونقدية واحدة على اختلاف العملات.

تشخيص أسباب الشقاء يصبح أكثر تعقيداً حين يكون العدو السياسي شريكاً في الاقتصاد. هذه حال العلاقة مع الولايات المتحدة التي ينطبق عليها قول المتنبي، ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى….. عدواً له ما من صداقته بدّ.

في بحثه عن أسباب الشقاء، قام قصير بجولة بانورامية على دول العالم العربي «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر». نقاط مضيئة نادرة في صحراء العتمة. انقلابات عسكرية، فائض من النفط وفائض من التخلف. ترسيمة للتاريخ مشوهة، عصر ذهبي فانحطاط ونهضة موؤودة. مناكدة ومساكنة من غير زواج بين الدين والعروبة. هل كان سيبدل أحكامه مع طفرة تشهدها بلدان الخليج بعد قرنين على سؤال إرسلان أم أن «وجه المرأة المحجوب سيبقى دليلاً مؤلماً على التخلف؟».

الأحزاب الدينية والقومية واليسارية جربت حظها، قدم كل منها تشخيصاً وعلاجاً قوامه الرفض. تحريم الوهابية زيارة قبور الأولياء. إدانة التطبيع مع العدو الصهيوني. مقاطعة البضائع الأميركية. الأمة لم تعرف بعد ماذا تريد.

شقاء العرب ناجم أساساً من غياب الديمقراطية. الاستبداد هو الآفة، وهو سبب خروجهم من التاريخ.