3 ديسمبر، 2024


الحوار المتمدن-العدد: 8175 – 2024 / 11 / 28 – 23:51

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=849609


انتصرنا لأن الحرب توقفت لتمنح النازحين فرصة العودة إلى ديارهم. هو انتصار للبنان لا لفئة منه. انتصار للوطن الذي تحمّل من الحروب وصمد أمام نكبات لو أصابت سواه لامّحى من الوجود.
لو لم تتوقف الحرب لكنا أمام كارثة. كل المكارم وحكايات الضيافة والقلوب المفتوحة أمام النازحين لم تكن كافية لإيوائهم في فصل الشتاء والثلج القارص.
الانتصار راية يرفعها المقيمون في مراكز الإيواء أو في البيوت المستأجرة أو في العراء، وترفع فوق بيوت القرى المضيافة. يرفعها مواطن نجا من موت بعد انهيار مبنى أو انفجار قنبلة بسيارة أو دراجة نارية صادف مرورها وقت استهدافها بالقرب منه، ويرفعها مقاوم نجا من طائرة مسيرة أو من قنبلة أو من كمين نصبه العدو، ويرفعها مقاوم صمد في خندقه إلى ما قبل الرابعة من صباح الاتفاق، ويرفعها مواطن عاد إلى قريته ووجد بيته سليماً من أذى العدو ووحشيته، أو بعضاً من بيت يمكن أن يأوي إليه.
انتصر لبنان لأن موعداً تحدد لانتخاب رئيس للجمهورية. قيل الكثير عن تلكؤ وعن مخالفة الدستور، لكن ذرائع رئيس البرلمان المضمرة كثيرة، أهمها خوفه على الوطن من فتنة كان يمكن أن تندلع لو أتى رئيس عنوة أو بعد لي ذراع أو هزيمة. لم يكن قوله عن نجاة لبنان من كارثة زلة لسان، حين لم ينل مرشح المعارضة خمسة وستين صوتاً في الدورة الأولى. كان ذلك سيلزمه بإعلان فوز الرئيس بهذه الأصوات في الدورة الثانية، شاء من شاء وأبى من أبى. هذه تحسب له مقابل ما يحسب عليه من أخطاء وخطايا.
كيف سيحتفل بالانتصار من عاد ولم يسمح له بالدخول إلى بيته بانتظار فحص النوايا بين المتحاربين، ومن إذا سمح له بالعودة لم يجد من بيته سوى رماد وركام، ومن إذا عاد لم يجد إبنه أو قريبه أو جاره الشهيد؟
في قريتي بيت تراثي توفي مالكه وإبناه، الأحفاد لا يعرفونه ولم يزوروه منذ أكثر من نصف قرن. سوته قذيفة بالأرض، ستسأل روح البيت وأرواح مالكيه عمن حكم عليه بالموت و”بأي ذنب قتل” وهل يجوز لنا أن نحتفل بالنصر على أنقاضه.
هل هو نصر أن تعود عائلة إلى بيتها وقد فقدت في الحرب واحداً منها، وهل هو نصر أن يعود أحدهم ولا يجد جاراً ولا بيتاً ولا عائلة في بيت؟ وكيف إذا كان سيمنع أحدهم من إعادة بناء منزله قبل ترسيم حدود ضاعت تحت الأنقاض.
دع جانباً معايير الربح والخسارة. يجيد حساباتها من يستخلص منها دروساً مفيدة. إذا تعلمنا مثلاً أن الحروب كلها بلا أخلاق، وألا نكون البادئين بحرب من غير خطة لتحمل أعبائها ومن غير حساب لما يترتب عليها من نتائج. وإذا تعلمنا أن الحروب المقدسة مضى زمانها وطواها التاريخ والنسيان، إلا الذين آمنوا ولم يعملوا الصالحات وما بدلوا بأوهامهم تبديلاً، فهؤلاء سيبقون أميين.
ننتصر، نحن اللبنانيين، إذا تعلمنا من تجاربنا أن المنتصر الوحيد في الحروب الأهلية هو طرف خارجي وأن الوحدة الوطنية أغلى من كل المصالح الضيقة والمشاريع الفئوية وأنها السلاح الأمضى لمواجهة كل المخاطر. هذا ما أثبتته نكبة النزوح إلى بيوت وقرى ومناطق كانت تحسب معادية.
ننتصر حين يترسخ إيماننا بوطن إسمه لبنان، استثنائي يشبه طائر الفينيق، ينبعث من رماد الحروب بقوة أبنائه ومبادراتهم ورسوخ انتمائهم.
نعم ننتصر. لكننا لا ننتصر إلا بالدولة والقانون والدستور. بدولة تتولى وحدها حماية الوطن بقواها العسكرية والأمنية وتمارس السيادة على حدود الوطن وداخل أرضه بقوة القانون.
نعم انتصرنا لأننا سننتخب رئيساً للجمهورية بعد شغور دام سنتين وبعد تعطيل للدستور دام سنوات.
ليت مثل هذا الانتصار حصل بإرادة المجلس النيابي قبل حصول البلاء. وليته يكتمل بتشكيل حكومة من خارج المحاصصة ومن خارج المنظومة الفاسدة.
لعل هذا الانتصار يكون خاتمة حروبنا.