12 ديسمبر، 2024

المتضررون من النصر


  
الحوار المتمدن-العدد: 8186 – 2024 / 12 / 9 – 09:34


8-12-2024
في خريف 2003، خلال فترة الانفتاح القصيرة والمحدودة، وبمناسبة الاحتفال بانتصار تشرين، دعاني التلفزيون السوري إلى المشاركة في حوار حول عوائق النهضة العربية من خلال مقابلة يتم تسجيلها ويؤجل بثها. سألت المذيع عن حدود حرية التعبير المتاحة لكي نتولى بأنفسنا الرقابة بديلاً من مقص الرقيب، فطمأننا إلى أن الحرية مصانة وأخبرنا أن لبنانيين من غير أتباع النظام السوري ومن غير مؤيديه سبق لهم أن شاركوا في برنامجه.
سألته عن معنى الاحتفال بالنصر مع أن إسرائيل، على ذمة وكالات الأنباء تمكنت من احتلال قرى ومزارع إضافية لم تكن قد احتلتها في حرب حزيران 1967. جوابه أن النظام انتصر لأنه لم ينهزم، وهو يقصد أنه لم يسقط. هذا ينطبق على العصابات والمنظمات الأنصارية لا على الجيوش والأنظمة.
استرسلت خلال المقابلة في ذكر محاسن الديمقراطية وفي أن أزمة العالم العربي من المحيط إلى الخليج ناجمة عن غيابها وقدمت الدليل بقولي “إن الحاكم، حتى في البلدان التي تعتمد الاقتراع والانتخابات، يتم اختياره بالتعيين أو بالوراثة”. واستدركت، قائلاً ما يشبه التنصل، أنا لا أقصد النظام السوري بل كل العالم العربي من المحيط إلى الخليج.
فضلاً عن طريقة اختيار الرئيس في لبنان، ولاية الحاكم في مصر هي الرابعة وفي تونس هي الخامسة ومعمر القذافي يحكم ليبيا منذ أكثر من أربعين عاماً. باستثناء هذه العبارة التي كان عليّ أن أصوغها بلغة أكثر دبلوماسية، أشهد إن المحطة بثت المقابلة كلها، خلال وجودي في ألمانيا لإلقاء محاضرة بدعوة من يساريين لبنانيين.(المقابلة مؤرشفة في مدونتي)
حين رويت مجريات الحوار حول انتصار تشرين، روى لنا الطبيب السوري جون نسطة المقيم في ألمانيا كيف سخر الموظف من هذا النصر بالتساؤل عن الخانة التي سيوضب فيها إضبارات نازحي حرب تشرين، إذ لا تجوز أرشفتها مع أخرى لنازحي النكبة وثالثة لنازحي النكسة. اقتراح عليه زميله وضعها تحت مسمى جديد “المتضررون من النصر”. أضاف د. نسطة، كان كل هم حاكم الشام أن يكتب التاريخ إسمه كباني “دولة بني الأسد” تمثلاً بدولة بني بوية أو دولة الحمدانيين. لم يكن يهمه في الداخل غير إحكام القبضة بالطغيان ولم يكن يهمه من فلسطين سوى الاتجار بقضيتها وبالمقاومة.
توصيف الأزمة بغياب الديمقراطية هو أفضل التعبيرات الدبلوماسية عن وحشية الاستبداد. عبارة”إلى الأبد” لم تكن تخص حكم الأسد وحده. الخصوم وأصحاب الرأي المختلف نالوا حصتهم من الأبد. كم من سجين عاش حياته كلها في الأقبية من غير محاكمة. هل تُنسى حكاية ميشال كيلو عن العصفور والطفل المولود في السجن، أو بتر أصابع الأطفال في درعا، أو خروج السجين كهلاً بعد اعتقاله فتى في سن المراهقة؟
كل الشعب السوري ضحية استبداده. جوّع مؤيديه ونكل بخصومه وتفنن بتعذيبهم. سجن وقتل ونفى وشرد ولم يسلم من بطشه حتى رفاق دربه. يحق لكل سوري، للعائدين من المنافي والخارجين من الأقبية المظلمة، وحتى الذين سخرهم لزرع الرعب في النفوس، أن يحتفلوا، أن يعتبروا يوم رحيله يوماً مجيداً في تاريخ سوريا الحديث.
اللبنانيين كالسوريين، يحق لهم أن يحتفلوا بطي صفحة الاستبداد. دمار ممنهج للدولة، اغتيالات طالت كل رأي مخالف، إحلال أجهزة المخابرات بديلاً من مؤسسات الدولة، تحويل الأتباع إلى مافيات وتشجيع العصابات على التشبيح، تعميم الفساد ونهب أموال اللبنانيين العامة والخاصة. النتيجة انتهاك السيادة والدستور وتدمير الدولة.
يستثنى من المشاركة في احتفالات سقوط الطاغية الأحزاب المنخرطة في جبهة الممانعة. على قيادة كل منها أن تتنحى لتفسح في المجال أمام قيادات جديدة قادرة على إجراء نقد ذاتي وعلى إعادة تنظيماتها إلى حضن الوطن والدولة.
أما الشخصيات التي نبتت من دون جذور وتسلقت بالتزلف وفرطت بكرامة الوطن وتطاولت على مبدأ الكفاءة واستماتت في خدمة الوالي والسلطان وتقمصت دور البوق الإعلامي والخبير الستراتيجي والمحلل السياسي فما عليها سوى التخفي والتواري خلف الصمت. أما آن لوسائل الإعلام أن تستدرك أخطاءها؟
النظام السوري كان البادئ بتحويل الربيع العربي إلى حرب أهلية. لعل رحيل الطاغية يشكل بداية عودة الربيع إلى ربوع الأمة.

About The Author