https://drmoukaled.com/wp-admin/post-new.php
لا حل إلا بالدولة. بهذه العبارة استهل “المنبر الوطني للإنقاذ” نداءه. وفي نص وثيقته عرض للأسس والمبادئ التي لا تقوم الدولة بمعزل عنها. القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والفصل بين السلطات والحرية والديمقراطية.
ثلاث جهات انبرت للرد والانتقاد. قالت الأولى، لم تقدموا جديداً، إذ لا أحد من أهل المنظومة يعترض على شعار الدولة. كلهم مع الدولة، هذا معها عادلة وذاك معها قادرة وثالث يريدها مدنية علمانية ورابع قومية وخامس بروليتارية وسادس دينية وسابع سيادية، “وثامناً وتاسعاً وعاشراً”، بتعبير نزار قباني ومحمد العبد الله، كلنا نردد بصوت واحد، حبيبتي الدولة.
الثانية سخرت من الشعار ومن حامليه الجدد والقدامى لأن الدولة، في نظرهم، قصرت في الماضي، وهي اليوم عاجزة عن حماية السيادة اللبنانية ضد الانتهاكات الإسرائيلية المتمادية.
قالت الثالثة إن منبر الإنقاذ لم يكن وحيداً فقد تزامن مع ولادة تيار آخر ورأت بينهما شبهاً لغوياً، خصوصاً إذا كان يُخلق من الشبه أربعون؟ وسعى بعض الوجهاء إلى جمع المتشابهين ورأب الصدع بمصالحة عشائرية.
من الثابت والمؤكد، بالوجه الشرعي، أن بعض أصحاب الردود والانتقادات لم يقرأوا وثائق المنبر، وبعضهم ما زال مستغرقاً في مماحكات عن الدولة والجيش والسلاح، فيما ينوء فريق ثالث تحت وطأة جهل مستحكم بمصطلحات الحضارة الحديثة.
ليس لمصطلح الدولة إلا مضمون واحد. إذا بحثنا عن مفردة تختصره فلن نجد أفضل تعبيراً من كلمة “السيادة”، أي سيادة الشعب على أرضه وعلى حدوده، يمارسها بواسطة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والأجهزة الأمنية. إجازة المرور إلى نقاش أي قضية تتعلق بالدولة تشترط احترام مضامين هذه المصطلحات.
ينتهك سيادة الدولة كل من ينتهك الدستور ويخالف القوانين ويبني مؤسسات وأجهزة موازية لمؤسساتها وأجهزتها. كل من يمتنع عن دفع الضرائب أو من يجبي الضرائب ويودعها خارج خزينة الدولة، ويفرض الخوات ويراكم ثروة خاصة من المال العام.
استبدال الكفاءة بالمحسوبيات وتكافؤ الفرص بالشفاعة، الاستئثار بالسلطة بدل تداول السلطة، الانتماء الطائفي بدل المواطنة، القضاء الموازي والأمن الموازي والجباية الموازية، قمع الحريات الفردية والاعتداء على الحريات العامة، التعسف أو الإفراط في استخدام السلطة، كلها تنويعات على مخالفة المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدولة، يرتكبها حاكم فاسد مفسد من داخل السلطة، وميليشيوي من خارجها، فكيف إذا اجتمع الفاسد والميليشيوي في شخص واحد داخل السلطة؟
لاحظ الدكتور قاسم قصير، في موقع الأمان الإلكتروني، أن مجموعات لبنانية جديدة بدأت تبرز خلال الأيام الأخيرة تدعو الى قيام مشروع الدولة ومواجهة المشروع السياسي للثنائي حركة امل وحزب الله، وأن الأوضاع الجديدة في سوريا باتت تتطلب خطاباً ومشروعاً سياسياً جديداً.
عجيب أمر صاحبنا القادم حديثاً إلى عالم البحث العلمي. “مجموعات جديدة”، “الأيام الأخيرة”، “الأوضاع الجديدة”، “خطاباً جديداً”. هو يصر على اعتبار ما يحصل على الساحة السياسية أمراً جديداً. يكفيه أن يتذكر فحسب، من غير أن يعود، بصفته جديداً على عالم البحث، إلى المراجع والمصادر. أن يتذكر قرارات الأمم المتحدة واعتراضات الأكثرية النيابية في دورتين انتخابيتين متتاليتين، ومئات البيانات والمقالات والتصريحات، وحركتين جماهيريتين كبيرتين في 14آذار 2005 وفي 17تشرين2019، أنها كلها ما فتئت تكرر من غير ملل معزوفة السيادة منذ اندحار القوات الإسرائيلية عام 2000.
أظنه لا يحتاج إلى تذكير بمشاركته في نقاش كتاب “الشيعية السياسية” على منصة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في النبطية، عندما نبهناه إلى أن الخلط بين “الشيعية السياسية” كمشروع سياسي والشيعة كطائفة يشوش التفكير ويربك المعنى، وقلنا له في ذلك الحين من العام 2012 بأن الشيعية السياسية لن تكون أفضل مصيراً من المارونية السياسية، وهذه ليست الموارنة ولا المسيحيين، وأن أهل السنة لم يكن لهم مشروع خاص بالطائفة، بل نابت عنهم أحزاب “الحركة الوطنية اللبنانية” يومذاك، وحمّلت لبنان، بحسب تعبير أمينها العام محسن ابراهيم، “فوق ما يحتمل” من أعباء الدفاع عن القضية الفلسطينية وثورتها المسلحة، وارتكبت ما ارتكبته مع أحزاب الجبهة اللبنانية بحق الدولة ومؤسساتها.
المنبر الوطني للإنقاذ، على ما تنص وثائقه، ليس حزباً ولا يطمح إلى التشكل في حزب. هو إطار يجمع كل حريص على إعادة بناء الدولة وإعادة تشكيل السلطة، ولا يقبل في صفوفه من يستخدمون مصطلحات طائفية في فكرهم وسلوكهم، ولا من يجهلون المعاني الصحيحة والدقيقة لمصطلح الدولة.
مقالات ذات صلة
سقوط الطغيان والتحرر الوطني
المتضررون من النصر
نعم انتصرنا