مع أن بين المحور والممانعة أوجه شبه كثيرة فهما متغايران.
مولودان من رحم سياسي واحد هو الاستبداد، واستظلا بالقضية الفلسطينية وتذرّعا بها وتوكآ عليها واستخدماها مشجباً وحشدا تحت رايتها. كلاهما استقال من المهمة وكلف أذرعاً له وأدوات. لم يكن لديهما لا”صحّاف” ولا أحمد سعيد، لكن السردية التي استند إليها كل منهما تعتمد اللازمة ذاتها عن الإستعمار والاستكبار ومؤامرات الكبار من أهل الغرب والكفار، وعن الصهيونية وعن تاريخ الحروب مع اليهود منذ الجاهلية حتى الطوفان.
عصى واحدة والعقوبة واحدة، وإن تعددت الأسماء. التخوين والتكفير، وتوهين نفسية الأمة، وابتكارات متخيلة من التعذيب أين منها أجزاء من جسد ابن المقفع يرمى بها في الفرن أمام عينيه أو ضحايا الحجاج بن يوسف يدفنون أحياء. ناهيك بمحارق الأسيد وبراميل النترات لإبادة القرى والأصوات المعارضة.
الممانعة استراتيجية تخص نظام “الأسد إلى الأبد”، وحده دون سواه. مشتقة من الثلاثي (م ن ع) معناها اللغوي الامتناع عن خوض الحرب وعن خوض السلم أيضاً. منزلة بين المنزلتين أو حالة انتظارية لتقطيع الوقت، الجندي متأهب والإصبع على الزناد وبندقيته بلا طلقات. وحدهم رجال التعذيب والاغتيالات يملكون الحق بإطلاق النار، أما الجندي على الحدود فظل ينتظر “التوازن الستراتيجي” الذي طالب به النظام ولم يسع لتحقيقه، إلى أن نجا الجندي من الانتظار بفضل الثورة.
في خريف 2004 قلنا عن الممانعة أنها تعني عدم الاستسلام لمخططات أعداء الخارج، وتعني انتظار تغييرات في معطيات الصراع من دون مبادرة لتعديل هذه المعطيات، وتعني تأجيل الاستسلام وليس رفضه. هي إذن استسلام مبكر، أو استباقي”(أعدنا نشر هذا الكلام في كتابنا عن الشيعية السياسية).
الممانعة تعني، بحسب ياسين الحاج صالح، إعطاء ظهرنا للعدو والثبات، إدبار وصمود. إنها امتناع عن مواجهة العدو، وعن التطوع لفعل ما يرغبه. هي شكل من أشكال”الاستسلام”.
في هذه المرحلة الانتظارية تسنى لنظام الممانعة أن يعهد لأدواته وأذرعه وحلفائه في لبنان بإشغال المنطقة بحروب تضليلية ظاهرها مواجهات في سبيل القضية الفلسطينية وباطنها إبعاد المواجهة عن الحدود السورية مع فلسطين المحتلة وإبقاء النظام حاملاً راية الصمود بعيداً عن التصدي.
قرار إسرائيل من طرف واحد تنفيذ انسحاب جزئي من منطقة جزين في جنوب لبنان كشف السر وفضح المستور. ردت الممانعة على القرار بتكثيف عملياتها في تلك المنطقة، وجن جنونها عند الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية لأنها كانت تفضل إبقاء الجبهة مشتعلة إلى ما شاء النظام السوري وأجهزته القابضة على المعابر الشرعية وغير الشرعية طريق مرور لتهريب البضائع والسيارات المسروقة وأدوات التخريب، وعلى طريق بيروت دمشق سالكة أمام صغار النفوس من سياسيي لبنان.
المحور علق بعضاً من استراتيجيته على المشجب ذاته، فلسطين والقدس وأضمر جلها. شراكة مع الممانعة في استثمار الطائفة الشيعية وبطولات شبابها في مواجهة العدو الإسرائيلي. لكنه لم يقف في منطقة وسطى بين السلم والحرب بل قرر بعث صراع سني شيعي متحدر من كربلاء ومن تنافر فارسي عربي جذوره تمتد حتى القادسية.
المضمر منها علامات الظهور، وليس على الولي الفقيه سوى التحضيرات اللوجستية في البلدان المحيطة بالحجاز، منها شحن مذهبي واستعادات لمراثي أهل بيت النبي ومجالس العزاء الحسينية والزينبية، وخطط لاستبدال الدولة بجيش يشبه الميليشيا في سوريا، أو بالميليشيا في العراق ولبنان واليمن والبحرين وشرق المملكة العربية السعودية. تكتمل الصورة في مخيلة الملالي عندما يتزامن انهيار الدولة مع عودة صاحب العصر والزمان فتتحول الميليشيات إلى جيش يقوده المهدي ويحرر به البلدان العربية من عروبتها والنهضة من تأثيرات الغرب الكافر عليها، وإعادة الأمة إلى ما قبل أيام الصحابة.
الممانعة والمحور استراتيجيتان لا تلتقيان، وكل في فلك يسبحان، وإن التقتا على الاستبداد فلا حول ولا قوة إلا بالثورة.
مقالات ذات صلة
لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ماهية الدولة
سقوط الطغيان والتحرر الوطني
المتضررون من النصر