13 أكتوبر، 2024

البرلمان السّلفي

13-8-2016

من يصنع الأكثرية؟ كيف تتشكل الأكثرية؟

الأكثرية مصطلح من شجرة عائلة الديمقراطية، ومثله مصطلح الأقلية. لكن استخدامهما يخلو من أي معنى في ظل أنظمة الاستبداد وأحزابها. حين تصير الطائفة بديلاً من الوطن، يغدو مصطلح “الدهماء” هو الأبلغ تعبيراً، لأن الأكثرية في هذه الحالة، بما فيها نخبها ، ترضى بأن يقودها جهلة من رعاع الطائفة.

الأنظمة الديمقراطية تحفظ للأقلية موقعاً حتى لو لم تفز في الانتخابات، ويؤخذ رأيها بالاعتبار حتى لو لم تكن في موقع السلطة والمسؤولية الحكومية، تماماً مثلما يؤخذ بالاعتبار رأي “الرأي العام” الذي يستخلص من الاستطلاعات وتستأنس به السلطات الحاكمة.

في أنظمة الاستبداد وأحزابه تنمحي الفوارق بين الأكثريات والأقليات، وتزول الخلافات والاختلافات وينضوي الجميع في جبهات وطنية للقيام بمواجهات افتراضية أو وهمية، هي دوماً مع طرف خارجي، قد يكون عدواً للوطن، كما هي الحال بين النظام السوري والكيان الصهيوني، وقد يكون عدواً لطائفة وصديقاً لأخرى كما هي الحال في لبنان، فتغدو الطائفة كلها أكثرية ويرمى الصوت المعترض بالردة والخيانة ويتحول إلى أقلية منبوذة في طائفتها، لكنه يبقى وحده خشبة الخلاص الوطني.

في الأنظمة الاستبدادية لا تعود معايير القياس صالحة، فلا يسمح للأكثرية بأن تحكم ولا بإمكان الأقلية أن تصير أكثرية. الشيعية السياسية أو المارونية السياسية ، بما هما التجسيد الأوضح لأحزاب الاستبداد، تحصي كل منهما معارضيها وتحصي عليهم أنفاسهم، فتصعب عليهم الانتظام في حركة أو حزب، ذلك لأنها تصور الخطر على الطائفة خطراً وجودياً. كذلك هي الحال مع وكل كيان طائفي|سياسي آخر، إذ يصيرالاعتدال بمثابة تفريط بحقوق الطائفة.

أهم ما أنجزه مؤتمر الطائف هو تعديل قانون الانتخاب. بعد أن أُرغم نواب “الأمة” على إقرار النسبية وتعديل حجم الدوائر، عادوا، فور وصولهم إلى لبنان وأدخلوا، راضين مرضيين، بل صاغرين، تعديلاً على التعديل، فألغوا النسبية وجعلوا الانتخابات شكلا من أشكال الاستفتاء، أسوة بتلك التي اعتمدها نظام الوصاية نقلا عن لجنة الترشيحات( لجنة إلغاء الحرية الفردية) في الأنظمة الشمولية.

دورة بعد دورة ظل البرلمان يلعب على “ظهره وبطنه” إلى أن وفّقه الله، وحزبه، فنصره على ذلك الانجاز، ومكّنه من إعادة الانتخابات إلى قانون الستين الذي كان قد أقرّه الرئيس فؤاد شهاب غداة “بروفة” الحرب الأهلية الأولى.

دورة بعد دورة ينجح ممثلو الأمة بالتمثيل على الجمهور، الوديع في الانتخابات و”النقناق” بعدها ، فيفتعلون حماوة في النقاش بحثاً عن قانون جديد، وسرعان ما تبرد الحماوة  ويسقط الحوار من شدة إعياء المتحاورين، ويتنفس الجمهور الصعداء ويشكر الله على سلامة نواب الأمة من خطر التغيير. يخرج واحدهم من الجلسة “وجهه وضاح وثغره باسم”، لكنها بسمة “للضحك على ذقون الأكثرية”، الأكثرية المضحكة، أو للهزء بالأقلية، الأقلية المبكية.

كيف يمثل ممثل الأمة على الجمهور؟ ببساطة، يتظاهر بأنه مهتم ومشغول ومن اجتماع إلى اجتماع، لكن شاغله واحد، وهو كيف يعيد، مع طاقم المافيا السياسية والمالية، تشكيل الأكثرية ذاتها، بأسلوب التواطؤ والمساومة ذاته على تحاصص المقاعد وتحاصص الثروة الوطنية والوظائف الإدارية والقيادات الأمنية والعسكرية، إلا أمراً واحداً يظل  غائباُ عن جداول أعمالهم التافهة، وهو حماية السيادة الوطنية واحترام الدستور. في هذا السياق الحل الأيسر لديهم هو تجميد الاصلاح وتحضير الوطن لحروب داخلية وخارجية، وذلك بالعودة إلى قانون الستين.

عودة البرلمان إلى قانون الستين تشبه عودة الأصوليات الاسلامية إلى النصوص الأولى، تلك التي أسماها محمد عابد الجابري عودة إلى مرحلة الحفظ السابقة على التفسير والتأويل والتمحيص، أي إلى مرحلة ما “قبل العقل”.  تلك كانت السلفية الدينية. أما السلفية البرلمانية فهي حين يعود نوابنا إلى ما قبل الحرب الأهلية، ليبعثوها من جديد، كأنهم لم يقرأوا قول الشاعر زهير عن الحرب: “متى تبعثوها تبعثوها ذميمة”، بل لأنهم لا يقرأون ولم يقل أحد منهم كلمة نقد واحدة في مسؤوليته عن الحرب، بل، وهذا هو اليقين، لأنهم المستفيدون الوحيدون منها والمستثمرون في ما تخلفه من موت ودمار.

البرلمان اللبناني لا يعرف أنه برلمان استبداد، برلمان أتى بالتعيين. يصير نائباً من تشمله الوصاية أو وكيلها رئيس اللائحة برضاهما، ويستمر نائبا بالتمديد. مع أن البرلمان “سيد نفسه” فهو لا يضيره إن حكمه سيد من وراء الستار أو نظّم حركة أعضائه محرك الدمى.

لا تسألوا عن داعش خارج الحدود، هي عقل السلفية البرلمانية بلباس مدني.

المصدر :

https://www.almodon.com/opinion/2016/8/13/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%81%D9%8A