18 أبريل، 2024

ريفي-الحريري:قراءة مغايرة

13-2-2016

حيث تسود أنظمة الاستبداد، على أنواعها، وتضيق حدود الحرية، ينحصر الاختيار دائما بين اثنين، ويتحول إلى اصطفاف. مع أو ضد. تأييد أو اعتراض. ثم يتشخصن الاصطفاف ويتحول إلى التحاق وتبعية . هكذا هي الحال في القضايا الكبرى وفي الأحزاب. عبد الناصر اختصر القضية القومية بشخصه، وتجسدت القضية الفلسطينية ومقاومتها بياسر عرفات. حتى الاحزاب كانت تربط أمجادها بأشخاص، فإن هم انطفأت جذوتهم ماتت أحزابهم.

كل الاصطفافات الحديثة في لبنان مشتقة من الأنقسام الأصلي 14آذار أو 8آذار. الباقي كله تفاصيل. أما القديم منها فيرقى إلى الاختيار بين قومي ووطني، دستوري أو كتلوي( انقسام حزبي)، نهج أو حلف(مرحلة الرئيس فؤاد شهاب)، حركة وطنية أو جبهة لبنانية( بداية الحرب الأهلية).

بلية هذه الانقسامات شخصانيتها،إذ يصير الشخص هو رمز الاصطفاف لا القضية، و تستبدل القضايا الكبرى برموزها، وتبلغ حماسة الأتباع ذروتها ويتحول انحيازهم إلى تعصب للزعيم فيحيطونه بهالة من القداسة، وتختفي خلف هذا الحب الأعمى كل المثالب والسلبيات والنواقص، ويتحول الرمز إلى أيقونة أو ملاك وخصمه إلى شيطان، وينتفي، إذذاك، أي احتمال لتسوية ممكنة، ثم لا تلبث أن تتفاقم الخصومة ويأخذ الخلاف أو الاختلاف، أياً تكن درجته، شكل الحرب الأهلية، ولو من غير دماء.

رفيق الحريري لم يكن مجرد شخص عبر في تاريخ لبنان. بل هو سرعان ما تحول إلى ظاهرة، عنوانها النهوض الاقتصادي وإعادة البناء، ثم انقسم اللبنانيون غداة اغتياله، رأى فيه بعضهم رمزاً للسيادة الوطنية بأعمق معانيها، بينما راح بعضهم الآخر يعمق العداوة مع ضريحه ومع تاريخه، وكان من الطبيعي أن يشكل إرثه السياسي مادة انقسام هي الأخرى، واختلاف على كيفية الحفاظ على النهج والاستمرار به، ربما كانت حرب التغريدات  آخر تعبير انقسامي بين نهج تسووي يقوده سعد الحريري ويؤيده آخرون ونهج مبدئي يقوده، على نحو خاص، أشرف ريفي، ويتعاطف معه معظم جمهور تيار المستقبل.

منطق النهج التسووي متماسك حول نقطة واحدة هي العمل على استبعاد خيار الانفجار العسكري، لكنه لم يحسن تقديم التنازلات ولا اختيار اللحظة المناسبة، فهو يبدو كأنه ينشد السلم بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ. فضلا عن أن التضحيات التي حالت دون انفجار الحرب الأهلية، بما هي مواجهة بين تنظيمات مسلحة، بدت كأنها استسلام من غير مواجهة.

بدءا من زيارة لسعد الحريري إلى دمشق حل فيها ضيفاً على النظام المتهم بقتل والده، إلى إرغام الأغلبية على الرضوخ لمنطق الأقلية في تشكيل الحكومة، إلى ترشيح ميشال عون ثم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وكلاهما من فريق الثامن من آذار، كلها مواقف ومبادرات لم تكن مقنعة لجمهور كان في كل مرة يرتضيها على مضض، ولم تكن تلك المبادرات لتمر من غير خسائر داخلية. بعض هذه الخسائر كان ضروريا ليؤكد تيار المستقبل دوره الاعتدالي( التخلي عن خالد الظاهر مثلا)، لكنها غير قابلة للتعويض داخل الطائفة السنية التي تشعر بقهر يمارسه عليها حزب الله ومن خلفه إيران.  

إخلاء ميشال سماحة بقرار قضائي من المحكمة العسكرية لم يكن حدثاً عادياً. بل هو بمثابة الفضيحة. المتضامنون مع ريفي أكثر عددا من المغتبطين بتغريدة سعد الحريري. لكن التضامن و الغبطة المستندان إلى عصبية سنية ضد حزب الله أو إلى عصبية حزبية لزعيم تيار المستقبل يسيئان للقضية، لأنهما تعبير نموذجي عن الثنائيات المغلوطة  والاصطفافات والانقسامات والعصبيات.

بديلا عن ذلك لا بد من الوقوف إلى جانب القضية لا إلى جانب الشخص، ولا بد من التخلي عن الشحن المذهبي كما عن التنازلات المجانية، إذ لا تستقيم القضية إلا بالعمل على تكريس سلطة الدولة والقانون والقضاء بعيدا عن تدخل السياسيين، وعلى تحصين السلم الأهلي و وتعزيز نهج التهدئة والاعتدال.

المصدر :

https://www.almodon.com/opinion/2016/2/13/%D8%B1%D9%8A%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A9