20 أبريل، 2024

الشيعية السياسية : أسرارها من كبارها

محمد علي مقلد                                                                  28-10-2013

تصريح الرئيس بري لا يحمل أي التباس : ” يمكن أن أتهاون في صلاحيات المجلس ، لكنني لست مستعدا للتهاون في صلاحياتي كرئيس لهذا المجلس“( جريدة الجمهورية ، الإثنين 21 تشرين الأول 2013)

نعم ، رئيس المجلس قبل المجلس والشخص قبل المؤسسة . هل هي زلة لسان أم كلام صريح يزيل غشاوة أو غموضا محتملا ، أم أنها  أصل الموقف وفصله ، و معناه وجوهره و روحه وجسده ؟ خصوصا عندما دبت في مفاصل الشيعية السياسية ، بعد تغييب الإمام الصدر، حرارة النهج السوري ، الذي أطعمها من خبزه السياسي وجعلها تضرب بسيفه.

نعم ، النهج السوري الذي تحول إلى نظام وصاية ، ثم ظهر على حقيقته نظاماً أمنياً، قتل الحياة السياسية وجعل السياسيين أدوات تنفيذية لدى الحاكم العسكري.في البداية كان نواب الشيعية السياسية الجنوبيون يعرجون ، في طريق العودة إلى العاصمة ، على مركز المخابرات في الرميلة ( شمال صيدا) ليودعوا تقريرهم الاسبوعي هناك ، مثلما كان يعرج سواهم على مراكز مماثلة في أماكن أخرى .

الإمام الصدر أطلقها لكنهم لم يسمحوا له برعايتها فغيبوه . رعاها ، بديلا عنه ، مشروع الهيمنة السورية على لبنان ، فاستخدمها في البداية واجهة للصدام مع الثورة الفلسطينية وحلفائها ، ونظم بها حربا داخلية في كل قرى الجنوب وفي الضاحية الجنوبية ، تقاتلت فيها قوى لبنانية نيابة عن ياسر عرفات مع حركة أمل نيابة عن حافظ الأسد ، ثم استخدمها في الحرب ضد المخيمات الفلسطينية. وحين أطلقت يد نظام الوصاية بعد حرب العراق الأولى ، استخدمها واجهة لتعطيل الدولة وضرب مؤسساتها . وبعدما طاب لها المقام والمذاق ، لا سيما في نسختها الجديدة الثنائية ، ابتكرت فنونا في تخريب الدولة لم تكن معروفة في زمن الوصاية.

أول فنون التخريب الترويكا . الشيعية السياسية حصان طروادة فيها . بها تم أول خرق للدستور، وتلته خروقات في طريقة تشكيل الحكومات وتأسيس تقاليد غير دستورية  في إدارة شؤون البلاد ، وتشريع لنوع من الفساد المفضوح ، معظم أبطاله ، فضلا عن ضباط الأمن السوريين ، من الشيعية السياسية ( ذكرت نشرة إلكترونية أن أحد مسؤولي مجلس الجنوب بنى قصرا في قريته ، تفوق كلفته قيمة راتبه الشهري على مدى مئة عام) وتحول نواب الأمة إلى ناشطين في حقل السمسرات والصفقات وهدر المال العام أو توزيعه هبات على الأزلام والمحاسيب بدل توظيفه في الاستثمارات المجدية.

تخريب إدارات الدولة والجامعة اللبنانية وتعطيل مؤسسات الرقابة ، وذلك بضرب مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص ، وتشجيع الزبائنية، الخ . كل ذلك لإفراغ إدارات الدولة من كادراتها وإلغائها بالشغور واستبدالها بمكاتب حزبية في قصور زعماء الطوائف أو من ينوب عنهم ، تمهيدا لإلغاء الحاجة إلى الدولة  وإلى القطاع العام من الأساس.

صحيح أن الشيعية السياسية ليست وحدها مسؤولة عن كل هذه المفاسد . الظروف الدولية والاقليمية مسؤولة هي الأخرى عن تجميد الوضع اللبناني وربطه بالصراع الاقليمي ، وعن تعقيد عملية  تشكيل الحكومات وإدخالها في متاهات وملابسات وحسابات متشابكة ، لكن الشيعية السياسية هي المسؤولة عن تعطيل عمل الحكومات إن شكلت ، وهي وحدها المسؤولة عن تعطيل أعمال المجلس النيابي . وليس عبثا أن يطالب اللبنانيون بدراسة جدوى عن عمل البرلمان ، وبوضع جدول بعدد الجلسات التي حضرها كل نائب وبعدد المداخلات والمبادرات والاقتراحات والمشاريع التي أطلقها أو تقدم بها … ومع ذلك يمددون لأنفسهم بعين بلقاء .

في التقاليد الديمقراطية ، من يتولى شأناً عاماً ، كرئاسة المجلس النيابي ، يتخلى عن مسؤوليته الحزبية ليتفرغ للمسؤولية العامة . في لبنان ، يحصل العكس، فيتم توظيف الشأن العام في مصلحة الحزب ، ويتحول المجلس النيابي إلى نوع من الملكية الخاصة للطائفة ، كما يتحول بعض النواب إلى موظفين لدى الرئيس ، أحدهم ينطق باسمه وآخر يلعب دور ” بادي غارد” سياسي .

هل يكون غريباً ، والحالة هذه ، أن يكون التهاون في صلاحيات المجلس النيابي كمؤسسة  أمراً ممكناً ، وأن يكون التهاون في صلاحيات رئيس المؤسسة مستحيلاً ؟