19 أبريل، 2024

سذاجة أوروبا

محمد علي مقلد                                                                29-07-2013

القرار الأوروبي هو بمثابة اعلان حرب على لبنان عموما وعلى الشيعة منهم خصوصا ، وذلك لاعتبارات أخرى غير تلك التي لحظتها الانتقادات الرسمية والحزبية للقرار .

فهو ، من جهة أولى،  يذكر بالقصف العشوائي الذي كانت تقوم به اسرائيل ضد المناطق المحررة عقابا لها على تحررها ، أوبالقصف الجوي الوحشي على المدنيين وتدمير القرى والبلدات والأحياء في المدن اللبنانية اللبنانية بعد انسحابها إلى الشريط الحدودي عام 1985، ولا سيما في عدوانين كبيرين ، الأول عام 1993، والثاني عام 1996 وعرف بعناقيد الغضب. كانت تفعل ذلك بحجة التخلص من المقاومة وسلاحها ، وتفضله على خيار تجفيف مصادر التسليح الموجودة خارج الحدود اللبنانية . قال صاحبي ، هذا ينطبق عليه قول المثل ، ” الذي لا يقدر على البقرة ينطح العجلة”. خطر السلاح يعالج في سوريا وفي إيران وفي المشروع الذي يشرع حمل السلاح واستخدامه لتحقيق أهداف سياسية .

ويذكر ، من جهة ثانية ، بقرارات اتخذتها الدول الكبرى من غير أن تكون جادة في تنفيذها ، على غرار ما حصل بالبند المتعلق بسلاح الميليشيات في القرار 1501، إذ غضت النظر عن تنفيذه واعتبرته شأنا لبنانيا، وهذا مهد الطريق أمام حزب الله ليتعامل مع القرارات الدولية باستخفاف بلغ ذروته مع قرار تشكيل المحكمة الخاصة بلبنان .

وهو ، من جهة ثالثة ، ينطوي على سذاجة ما بعدها سذاجة ، لكونه يحمل المسؤولية لمن لا يتحملها، ذلك أن القرارات الكبرى المتعلقة بالاغتيالات وما يسمى بأعمال الارهاب لا تتخذ من قبل مجموعات مسلحة غير منضبطة ولا من قبل أجنحة عسكرية ، بل على أعلى مستويات القيادة السياسية في أي بلد أو سلطة أو حزب . لذلك بدا سلوك المجموعة الأوروبية حيال القرار مثار سخرية لأنها بدت تعاقبه بيد وتسترضيه بالأخرى ببيانات توضيحية ووفود زائرة .

وهو، من جهة رابعة ، بدا كأنه عقوبة لحزب الله على تدخله في الشأن السوري ، في حين أن فرض هذه العقوبة هو في حد ذاته تدخل في الشأن الداخلي لدولة ليست عضوا في  المجموعة الأوروبية ، وهو ما حدا بالمسؤولين الرسميين والحزبيين في لبنان ، من خصوم حزب الله وحلفائه على حد سواء ، أن  يعترضوا على القرار .

حزب الله قابل السذاجة الاوربية بصلف وتعال وتجاهل لمسألتين : تجاهل أولا قواعد اللعبة الدولية التي لم يستطع الاقوى منه أن يصمد أمام سياسة الاستخفاف بقوانين المجتمع الدولي . ففي القرية الكونية الكبرى لم يعد ممكنا في ظل العولمة إدارة الظهر للتوازنات الدولية، وتجربة الاتحاد السوفياتي خير دليل على عقم التشرنق والموت خنقا داخل التقوقع الذاتي . ثم تجاهل ثانيا مصلحة اللبنانيين في احترام القوانين الدولية التي يفترض أنها تساعدهم على إعادة بناء الدولة والوطن.

الأخطر من هذا وذاك هو مستوى التعبئة والتجهيل الذي يفرضه حزب الله على الوعي الشعبي . فمن يتجرأ على القوانين الدولية يتجرأ على أي قانون ، أيا يكن مصدره ، والسخرية من مؤسسة على الصعيد العالمي هي الوسيلة الأنجع لتعميم السخرية من كل مؤسسة ، والعودة بالمجتمع إلى شرائع الغاب ، حيث لا قوانين ولا مؤسسات ، بل حيث لا قيم ولا معايير غير القوة المسلحة التي تقيل العقل وتعفيه من مهامه وتزج بالغرائز على أنواعها ، الطائفية والمذهبية والمناطقية والقبلية والعشائرية لتطفو على سطح الوعي الشعبي وتدير دفة الصراع باتجاه الهاوية.