16 أبريل، 2024

هل يظهر المهدي في الحجاز؟

17-4-2015

لعلاقة إيران بالحرب اليمنية نهكة أخرى ليست موجودة في حروب المشرق العربي اللبنانية والسورية والعراقية، كما أن للحوثي وحزبه مكانة مختلفة عن تلك التي يحظى بها حزب الله وقادته في لبنان.

أول مرة سمعت الشيخ الشيعي خ. ح. يقول، في محاضرة مشتركة مع المطران المتوفى سليم غزال، إن فكرة المهدي المنتظر تكمن في قيمتها الرمزية لا في حقيقتها، وأنها مشتركة مع سائر الديانات السماوية وغير السماوية، وأبرزها فكرة “المخلص” وهي العمود الفقري في المسيحية، تفاجأت بمعممين حاضرين في القاعة، ما كانوا ليترددوا، “لولا العيب والحياء”، برمي الشيخ بالردة واتهامه بالإلحاد.

بعد عقد من الزمن، نشر علي الكوراني العاملي كتابا بعنوان، عصر الظهور(دار المحجة البيضاء، بيروت، 2004، كنت قد أوجزت مقاطعه في كتابي ، الشيعية السياسية) بعد أن كتب مقدمته في مدينة قم الإيرانية، بحسب قوله. وفي الكتاب تعداد للمؤشرات التي تسبق ظهور المهدي المنتظر ومن أهمها، بحسب ورودها في الكتاب، “قيام دولتين مواليتين للمهدي في إيران واليمن، ثم يقتل آخر ملوك الحجاز،ثم ينطلق نداء باسم المهدي من السماء، ثم تحدث معجزة الخسف بالجيش القادم إلى مكة للقضاء على حركة المهدي، ثم يتوجه بجيشه إلى العراق، فيتخذه مركزا لدولته، ويلتحق به الجيش الإيراني، ثم يخوض حربا مع الترك، ثم يزحف نحو القدس… ثم ينزل المسيح من السماء… ويعلن موقفه إلى جانب الإمام ويصلي خلفه في القدس… وينفتح الباب أمامه لفتح أوروبا” إلى آخر الرواية.

في المدة الفاصلة بين محاضرة الشيخ وكتاب علامات الظهور رحت أطرح على طلابي في الجامعة اللبنانية أن يتناولوا كتاب “المتنبي يسترد أباه”( من منشورات دار التآخي في بغداد، عام 1974) الذي يحاول فيه الباحث العراقي عبد الغني الملاح، مستعينا بمناهج البحث العلمي المتاحة في العلوم الانسانية، أن يثبت فرضيته القائلة إن المتنبي هو ابن المهدي المنتظر، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإثني عشرية. ولأنني أعرف أن مثل هذه الفرضية، حتى لو صدرت عن باحث شيعي، من شأنها أن تطيح بكل أسس المعتقد الاثني عشري، كنت أخبر طلابي سلفا بالسؤال الالزامي الوحيد الذي سأطرحه عليهم في نهاية العام، وهو يتعلق بموقف الباحث والطالب الجامعي ، إذا ما تعارضت استنتاجاته المبنية على منهج البحث العلمي مع معتقداته الدينية.

بين محاضرة الشيخ وعلامات الظهور والمتنبي يسترد أباه تأكد لي أن احترام طالب العلم للعلوم الوضعية يظل محصورا في المجال الأكاديمي ويتوقف عند حدود تعارضها مع معتقداته الدينية. وفي غياب المعايير العلمية والأكاديمية تخلو الساحة لمخيلة لا ضوابط لها ، تجنح نحو الأفكار الغيبية وتتعلق بحبال الهواء إذا ما واجهتها صعوبة أو انسدّت في وجهها نوافذ المستقبل، ويصبح الأمر في غاية الخطورة حين يغدو منهج التفكير الإيديولوجي معتمداً لدى نظام سياسي ومدعوماً من سلطة سياسية ومالية .

قيام دولة موالية للمهدي في اليمن هو، في نظر المهدويين، من علامات الظهور الأساسية. بل هو بمثابة الشرط الثاني بعد قيام دولة إيران المهدوية. بهذا المعنى تصبح حرب اليمن ضرورة تطبيقية عملية لتجسيد نظرية المؤمنين بظهور “صاحب العصر والزمان” ولتصديقها، ويصبح من مصلحة السياسة الإيرانية المبنية على تلك النظرية أن تشكل الحرب اليمنية مدخلاً إلى “علامات ظهور” أخرى في الحجاز، بعد أن ظهرت مؤشرات في بلاد الشام لم ترق بعد إلى مستوى العلامات.

هذا هو بالضبط ما يفسر ارتباك السياسة الإيرانية بين متشدد ومنفتح في العلاقات الدولية وقضية النووي، لأن أيا من التيارين لا يعرف بالضبط أي سياسية هي الأجدى في الأزمة اليمنية، وهو الذي يفسر تخبط حزب الله اللبناني في مواقف متعارضة بين تدخله المكشوف في النزاع السوري وإدانته الصارخة كل تدخل خارجي في الشؤون اليمنية، أو بين حربه الإعلامية ضد المملكة السعودية وحواره مع “أدواتها” في لبنان. وربما كان دور المسيح في معركة المهدي المتخيلة هو الذي يملي عليه هذه السياسة المنفتحة على مسيحيي الشرق.

   السوفيات اعتقدوا وأقنعوا كل مؤيديهم في العالم أن البشرية تعيش عصر الانتقال إلى الاشتراكية، ونشروا اعتقادهم بقوة الإيديولوجيا و الترسانة النووية والتحالفات الدولية، وكان لمشروعهم نقاط ارتكاز بين الأحزاب والدول في كل العالم.

 إيران تحاول إقناع العالم اليوم بأن خطوة يمنية واحدة تضع البشرية أمام بوابة ” صاحب العصر والزمان”، وقد سبق لها أن حاولت، من خلال رسالة الخميني إلى القيادة السوفياتية، أن تقدم فشل المشروع السوفياتي الاشتراكي دليلا على صحة مشروعها وعلامة جديدة من “علامات الظهور”. لكن نقاط ارتكازها بقيت محصورة ضمن حدود “الهلال الشيعي” ومجردة من عناصر القوة التي كانت في حوزة السوفيات.

خطأ المشروع الاشتراكي ينحصر في تجرؤه على تأويل التاريخ بما يلائم إيديولوجيته، بينما خطيئة المشروع الإيراني تتعدى ذلك إلى تهور في تحريف قراءته والمكابرة في السير بعكس مساره والعمل خلافا لقوانينه والتعلم بالمقلوب من دروسه. انهار الأول حين حول رغبته في تصدير الثورة إلى تدخل عسكري مباشر في أفغانستان. ذاك كان مصير نابليون وكذلك مصير هتلر حين صمم كل منهما على تعميم تجربته بقوة السلاح. حصل ذلك مع من عرباتهم كانت تجر التاريخ إلى الأمام. يطرح المأزق اليمني سؤالين، الأول على إيران التي تريد تعميم تجربتها بقوة الجهل والمعتقدات الغيبية مع عربة وهمية تشد التاريخ إلى الوراء. والثاني على الخليج الذي يتصرف كأن مصدر الخطر هو “صاحب العصر والزمان” وليس التنكر لمتطلبات الانتقال إلى عصر الديمقراطية وتداول السلطة.( هذا موضوع مقالتنا التالية)