16 سبتمبر، 2024

رأي حر ومقاربة حول كتاب – نقد الحرب الاهلية

د.سليمان حمادة

بعد التحية والتقدير للدكتور محمد علي مقلد 

أقيمت الندوة مساء الجمعة ٢٣ أب ٢٠٢٤ وتوقيع كتابه (في نقد الحرب الاهلية) في المكتبة الوطنية في بعقلين بالتعاون مع دار النهار للنشر و تحدث في الندوة كل من الصحافي إيلي الحاج، ود غالب ابو زين وادار الندوة الاستاذ محمود ابو شقرا ولهم جميعا جزيل الشكر والتقدير .

ملاحظة عامة : كان من الأجدى من بعض الحضور الاكتفاء بطرح السؤال وباختصار ليتمكن مؤلف الكتاب من الإجابة عليه بدل الاسترسال في طرح أمور من التاريخ ومعروفة ومكررة .

“الدولة الوحيدة المستقرة هي التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون” .

ارسطو ٣٣٥ ق.م

بداية وبعد نهاية الحرب الاهلية في لبنان بقيت لغة السجالات السياسية تدور في حلقة مفرغة. ثقافتان و ساحتان ونهجان مختلفان امام كل موضوع داخلي .

طالبت د محمد وانت محق في ذلك ان يبدأ نقاش صادق وحقيقي وفتح حوار بالعمق بين الجميع من باب الحرص على الوطن ليضع الجميع حجر الاساس لانشاء دولة القانون والمؤسسات والكفاءة والحريات والديمقراطية…

واود اضافة ان هذا لزام على كل لبناني وله الحق باستخدام حقه كمواطن حر خارج الاصطفافات المذهبية والطائفية والمناطقية والاقليمية والحزبية للوصول الى المطلوب اي دولة مدنية اولا واخيرا حيث القانون الواحد يسري على الجميع وعندها فقط تسقط المنازعات والاختلافات الاساسية اما الاختلافات الاجتماعية والدينية والحزبية فهذا يكفلها القانون والدستور والحرية المسؤولة واحترام المجتمع المتعدد …

نلاحظ في هذا السياق و دور الاحزاب جميعها في الحرب ان القليل منها أقام نقدا ذاتيا ولكن لم يصل لاي نتيجة لان النقد كان شكليا قام بعض كبار مسؤوليه بينما لم يصل صداه لقواعده الحزبية والجيل الجديد

ونراه ” يبعث من جديد ” امام اي ازمة داخلية وكاننا في بداية ما نشكو منه !

لم يتم الاعتذار مثلا من عائلات المخفيين وكم من لجان قامت ولم تصل لنتيجة والمخطوفين والمقتولين … … ولم يتم القيام بفعل الندامة بل نرى البعض يتباهى في سردياته و امام أوساطه بما قام به وانه مستعد ليعيد ذلك الف مرة لو عاد به التاريخ والظروف وكأن الحرب ليست مسؤوليته بل حدثت بسبب : الاخر في الوطن والفلسطيني والسوري والعربي والاسرائيلي والغرب الخ اي مسامحة نفسه ولوم الاخر وتبرير إجرامه بحق الوطن … الروايات هي هي … لم يقم اي من الاحزاب بمراجعة روايته عن الحرب وكان المطلوب ان يعيد قراءتها قراءة نقدية وان يشير اين هي مسؤوليته ويتوقف عن نقد سواه من الاحزاب على ان يستمع للآخر قبل ان يستفيض بتكرار المفردات القديمة ايام الحرب …وان يتعلم من دروسها الخ

تمعنت جيدا في توصيفك د محمد و ما جاء في الكتاب حول المحاربون والأحزاب والرسائل والتقسيميون والفدراليون وحركات التحرر والقوميون والعرب وشقاؤهم وخروج العرب من الأطوار التاريخية وكلها توصيفات اوافق الكاتب عليها لانها موضوعية …

واضيف هنا ما قاله سمير قصير من علامات الشقاء العربي مثلا :اعتقال وسجن و قتل الصحافي والكاتب والمفكر بتهمة الحرية و من علامات التخلف العربي العجز الديمقراطي بكل مكوناته المؤسساتية والخوف من الحداثة والعيش في الماضي والتجذر به وهم الان اي العرب اعدل الناس في تقاسم الشقاء…

اوليس نحن في الشقاء العربي امام كارثة غزة وهذا الصمت المهين …

ثم كيف تخلت النخب العربية قيادة الحركة السياسية لكل من ايران وتركيا نسبيا واميركا وكأن مستقبل العالم العربي يقتصر على توفير الطعام والعمل والسكن وبعض الاهتمام في حفلات الشعر والرياضة …

وهنا لا بد من الاشارة ومع كل السرديات التي تضج فيها الأوساط السياسية فان ما يقوم به حزب الله فهو اولا من باب ان الطبيعة لا ترغب بالفراغ … الفراغ العربي تملؤه ايران … وهنا النقد يجب ان يوجّه لصاحب الارض اولا وللعرب ثانيا … نحن نؤمن ان الاحتلال يجب ان يزول ولا يتم ذلك الا بمقاومته كما نقاوم الظلم والشر …حصل في فرنسا و فيتنام وكوريا والصين وايرلندا واليوم فلسطين عليها إنهاء الاحتلال والظلم.

ماذا ينتظرون ؟ لقد سقطت جميع الاتفاقات و القرارات الدولية حتى التقسيم و ٢٤٢ وأوسلو وغيرها لم يقبل بها الاحتلال حتى انه لا يقيم وزنا لمعاهدات السلام … وهنا حزب الله استطاع ان يقوم بدوره في الجنوب وان كانت لدينا ملاحظات على الاسلوب والاستئثار ولكن نقد ذلك يتم لاحقا احتراما لحق اللبناني وكل لبناني بمقاومة احتلال بلده … طبعا هناك سرديات مختلفة ايضا ولكن لا يجوز فتح باب الانتقاد وقد يطول في ظل المعركة …

اما اليسار ( وهنا اعود لايام الشباب والجامعة ودوره في التأثير والتوعية والتحرك المطلبي وصولا للانخراط في الاعمال العسكرية وغيرها وهزيمة الحركة الوطنية وقبلها اغتيال كمال جنبلاط ودخول العدو الاسرائيلي ثم تحرك جبهة المقاومة الوطنية مرورا بكل ما جرى من تدخلات وتصفيات وصولا لليوم ) انه تاريخ حافل …

وملاحظة ايضا ان التجمعات الطائفية اللبنانية فلتت من عقالها وقيمها وثقافتها وتم اختراقها بالكامل

والمؤسف والمثير كيف ان رفاق الأمس “العلمانيين ” فكرا وأسلوب حياة وطريقة عيش وكانوا من مختلف المذاهب والطوائف كيف التحقوا بمذاهبهم – واصبحوا ” غيرهم ” بالتفكير والنقاش والأولويات وهذه المقاربة تحتاج لاعادة نظر حقيقية في تركيبة الفكر الانساني اللبناني وما يثير المتابع سهولة نقل البندقية والافكار من اجل مصلحة شخصية بدل التمسك بالثوابت الوطنية التي تجمعنا وهي كثيرة وقيمها اكبر من التفاصيل الصغيرة …

هذا اليسار الرائد ودوره الثقافي النهضوي التحرري والمساند للقضية المركزية اي فلسطين …

فقد أجاد د مقلد في نقده وهو العارف بدواخله و سردياته وضعفه امام الاقليم القريب والبعيد … وصولا للإسلام السياسي وطريقه ومساره العنفي والتبشيري والإلغائي وهنا خطره على حياتنا العامة كما يكمن سبب فشله ايضا في مقارباته الوطنية واستغلاله من الخارج والداخل .

ختاما اود ان أشير لكتاب قرأته في السبعينات و موجود في مكتبتي:The Land and The Book الأرض والكتاب للكاتب وليم تومسون كاهن بروتستانتي أمضى 30 عاماً في سوريا ولبنان وفلسطين و قد صور في عام 1870 القضايا التي يبدو أننا لم نتمكن من التغلب عليها في لبنان حتى بعد اكثر من 150 عامًا وهي قضايا مليئة بالعديد من الذكريات الحزينة والمدمرة والمؤلمة.

*لبنان خلال عام 1870* صفحة 168 / إصدار 1901: يبلغ عدد سكان لبنان حوالي 400.000 نسمة، موزعين على أكثر من ستمائة بلدة وقرية ونهر. الديانات والطوائف المختلفة تعيش معًا وتمارس شعائرها والخرافات المتضاربة على مقربة من بعضها …ولكن الناس لا يفعلون ذلك بثقة ولا يندمجون في مجتمع واحد متجانس، ولا ينظرون إلى بعضهم البعض بمشاعر أخوية حقيقية …

السنة يكفرون الشيعة؛ كلاهما يكره الدروز، والثلاثة يكرهون النصيرية.

ليس لدى الموارنة محبة خاصة لأحد، وهم بدورهم مكروهون من الجميع.

لا يستطيع الارثوذكس اليونانيون تحمل الكاثوليك اليونانيين – فالجميع يحتقرون اليهود.

لا يوجد رابط مشترك للاتحاد او الوحده..ولا أعتقد أن أي دولة أخرى في العالم لديها مثل هذا التعدد من الأجناس المتعارضة؛ وهنا تكمن أعظم عقبة أمام أي تحسن عام ودائم في حالتهم وشخصيتهم ومستقبلهم. فهم لن يتمكنوا أبدًا من تكوين شعب واحد متحد، ولن يتحدوا أبدًا لأي غرض ديني أو سياسي مهم؛ وبالتالي سيظلون ضعفاء، وغير قادرين على الحكم الذاتي، ومعرضين لغزوات وقمع الأجانب وتدخلاتهم …وهكذا كان، ولا يزال، ويجب أن يظل لفترة طويلة شعبًا منقسمًا ومقسومًا ومذلولا الخ .

“الأرض والكتاب” كتبه دبليو إم طومسون، طبع في لندن سنة 1870

طبعا أنا لا أتبنى رأيه بل اؤمن ان الحل هو في تحمل المسؤولية بشجاعة والوقوف امام انفسنا اولا تداركا للأخطار ومواجهتها ضمن فكر سياسي اجتماعي يؤمن بالعدالة والقانون والكفاءة والحرية

والا عبثا ندور في الحلقة المفرغة

محبتي واحترامي