19 نيسان 2021
قبل أشهر من الانتخابات النيابية التقينا بالشيخ سامي الجميل في دارة سعادة الصديق خليل الخليل. لم تكن المرة الأولى التي أستمع فيها إليه. لكنها المرة الأولى مواجهة خارج وسائل الإعلام. إذاً لم تكن مفاجأة بل فرصة لأعبر له عن إعجابي بمواقفه إعجاباً مغلفاً بتحفظ محب. إذ لا يمكن أن يحتاج ابن العائلة التي دفعت أثماناً غالية في الحرب واستمرت تكافح من أجل الوطن إلى مزيد من الأدلة على صدق خياراته.
لم نكن نريد أن نصدق، نحن المقيمين على الضفة الأخرى من الحرب الأهلية، أن حزب الكتائب كان مصيباً في دفاعه عن الكيان، وهو لم يكن يدرك أن شعار “لبنان للبنانيين أحبه أو غادره” لم يصوب على الفلسطينيين وحدهم بل طال كل اللبنانيين من خارج المارونية السياسية. الشيعة إلى العراق والسنة إلى السعودية، بحسب تعبير قادة المارونية السياسية، والوطن القومي المسيحي بديلاً عن لبنان الكبير وعن لبنان الصغير.
عندما توقفت الحرب لم أعد أفكر بالأخطاء المتبادلة بل بالأثمان الغالية. لم يكن آل الجميل وحدهم في التضحية. آل جنبلاط، آل الحريري، آل سعد، وسواهم. بدأت بالتساؤل عما إذا كان يمكن تفاديها، والجواب صعب. صرت لا أنظر إليهم إلا من خلال تضحياتهم، ثم أعيد صياغة السؤال فأبحث عما ينبغي علينا فعله حتى لا تتكرر. الجواب سهل. نعيد بناء الوطن والدولة. هذا ما سمعته مراراً من الشيخ سامي.
عبرت له عن إعجابي فرويت له طرفة من صناعة الشاعر عبد المطلب الأمين. حين دخل اللص من النافذة إلى غرفته على سطح إحدى بنايات برج حمود ولم يعثر على ما يبتغيه وهمّ بالمغادرة، قهقه الشاعر وناداه قائلاً، هذا الذي تبحث عنه في الليل أنا أبحث عنه في الليل وفي النهار. نعم، ما تعبنا من تكراره في مسيرتنا النضالية هو ما أسمعنا إياه الشيخ سامي في حديثه عن دولة القانون والمؤسسات، عن النزاهة والاستقامة ونظافة الكف، عن السيادة والحرية، عن دولة الكفاءة وتكافؤ الفرص، عن دولة المواطنة المدنية العلمانية.
حين انتقدت على صفحتي الحزب الشيوعي، حزبي ولو كنت خارجه الآن، علق أحدهم بقوله، كم كنا على حق يوم كنا نطلق النار على حزب حنا غريب. وفيما كنت أكتب في نقد التيار الوطني الحر اتهمني أحد الرفاق الشيوعيين بالانحياز ورأى أنني لن أكون منصفاً إلا تحت راية كلن يعني كلن .أعتقد يا شيخ سامي أن ثقافة الحرب الأهلية ما زالت تعشش في العقول وما زال هناك من ينفخ في نارها. كلما رفع أحدهم شعار “كلن يعني كلن” أحسب أن فيه من الحماسة والصدق بمقدار ما فيه من الجهل السياسي. كتبت عشرات المقالات لأنصح الثوار بعدم استخدامه في كل الظروف والمناسبات، أو بإحالته على التقاعد بعد أن فقد جدواه، أو بتفسيره على وجه المحاسبة وحدها من دون المحاكمة. حافزي على النصيحة أكثر من طرف، وأولها حزب الكتائب ورئيسه الشاب.
قبل أن تندلع الثورة زرته في الصيفي وقدمت له نسخة من كتابي، أحزاب الله، وفيه قراءة نقدية للحرب الأهلية ولكل من شارك فيها. اتفقنا على تنظيم لقاء يجمع كتائبيين وشيوعيين ممن غادروا عقلية الحرب، ليرسموا صورة الوطن الجديد والحزب الجديد. أظن أن الاجتماع انعقد تحت ظلال الثورة.
هذا عن إعجابي. أما النقد فإلى المقالة التالية.
مقالات ذات صلة
“شقاء العرب”… هل ينفع العلاج اليساري؟
على حق ويخطئون
سقوط الثورة أم السقوط من الثورة؟