24 نيسان 2021
ربما كان علي أن استحضر الإسم الجديد القديم لحزب الكتائب لأجري النقاش معه. تذكرت يوم ناقش المؤتمر الشيوعي تغيير إسم الحزب وانقسمت الآراء نصفين بين مؤيد للتبديل ومعارض، وتذكرت كيف أن الأحزاب الشيوعية التي بدلت أسماءها بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وظلت تعرّف حتى فترة لاحقة انتقالية بالشيوعي سابقاً، وتذكرت كيف رأى بعض الكتائبيين أن الاستبدال ليس تغييراً ولا يعدو كونه إضافة نعوت كانت موجودة أصلاً في العنوان الفرعي.
لا يحق لرجل مثلي آت من تراث شيوعي أن يقترح وينصح الكتائبيين، خصوصاً أنني، حين طلب رأيي، لم أكن متحمساً لتغيير إسم الحزب الشيوعي، اعتقاداً مني بأن المسألة تتجاوز التسمية إلى الهوية والقضية والبرنامج. وقد ثبت بالتجارب الملموسة أن المسألة الأكثر صعوبة وتعقيداً ليست تبديل الإسم بل مضمون القضية.
حزب الكتائب الجديد يختلف عن القديم برئيسه وبجملة من الأفكار تشكل، من غير شك، قضية جديدة. غير أن هذه القضية لم تصبح بعد ملكاً لجميع الكتائبيين، إذ إن صورة الحزب القديمة، وكذلك قضيته، لم تبرح ذاكرة المحازبين ولا الخصوم. فكيف إذا كانت ملامح كثيرة منها تلك لا تزال حية ولم تدخل بعد في كهوف الذاكرة. من بينها تلك الماثلة في مشهد الانهيار الحالي والمتحدرة من ذاك القرار الرئاسي باختيار العماد ميشال عون قائداً للجيش ثم رئيساً لحكومة عسكرية، وهو قرار ما زال لبنان يتحمل تبعاته إلى الآن، ويطلب اليوم من سامي الجميل أن يجيب على سؤال، لماذا لم يفكر والدك بمثل ما فكر به ريمون إده مثلاً؟.
ما آلت إليه اليوم التربية على الطائفية من كلام عن الحرائق المسيحية والأمطار الإسلامية والفدرالية والكونفدرالية ليس صناعة عونية بل محصلة كلام عن الوطن القومي المسيحي في مواجهة كلام مضاد عن أمة إسلامية وأمة عربية وأمة أممية. الحزب الديموقراطي الاجتماعي، الكتائب سابقاً، لن يكون قادراً بالإسم وحده على التبرؤ من كلام المؤسس الذي ارتضى، بحسب تعبيره، بالتعامل مع الشيطان لحماية الكيان. والكيان، في نظره، ليس لبنان الدستور الذي نحتفل اليوم بمئويته، بل لبنان الفينيقي القديم جداً ما قبل الإسلام والمسلمين أو لبنان جبل المتصرفية الذي لم تشعر الأقضية المضافة بأنها شريكة في تأسيسه. يقتضي التجديد أن يكون تاريخ لبنان هو تاريخ قيام الدولة الدستورية فيه.
رغبة سامي الجميل بالتجديد صادقة من غير شك، لكن تجارب الإصلاح الحزبي في لبنان كما في سواه غير مشجعة، إذ ما زالت جميع الأحزاب، تناضل تحت راية التحرر الوطني فيعتز كل فريق بمقاومته، فيما القضية الحقيقية ليست التحرر من الغريب، باللغة الكتائبية، أو من الاستعمار، باللغة القومية واليسارية، أو من الاحتلالات باللغة المشتركة، بل من الاستبداد الذي تمارسه الأنظمة والأحزاب على شعوبها.
ربما آن أوان التخلي عن مقولة حروب الآخرين على أرضنا، لأن جميع القوى التي قاتلت على أرضنا، من الإنزال الأميركي أيام كميل شمعون إلى اتفاق القاهرة والسلاح الفلسطيني وقوات الردع والقوات السورية والجيش الإسرائيلي وصولاً إلى فيلق القدس الإيراني، ما كان لها أن تدخل لو لم تبادر قوة لبنانية إلى استدراجها. التجديد الكتائبي كما الشيوعي كما القومي يقتضي خروج الجميع من معارك التحرر الوطني والدخول في معركة تحرير الدولة من استبداد أحزاب السلطة.
موقف سامي الجميل من السلطة سابق على موقف الثورة، وهو صحيح طبعاً. غير أن استعجال الانتخابات النيابية، وهو ضروري، لا يفضي في ظل القانون الحالي إلا إلى تعديل التمثيل المسيحي، ما يعني أن حزب الكتائب ما زال في قلب القضية القديمة يبحث عن استعادة دوره المفقود بين المسيحيين لا عن حل للأزمة التي لا حل لها إلا بإعادة تشكيل السلطة لكن بغير هذا القانون الانتخابي.
مقالات ذات صلة
“شقاء العرب”… هل ينفع العلاج اليساري؟
على حق ويخطئون
سقوط الثورة أم السقوط من الثورة؟