19 أبريل، 2024

لقاء سيدة الجبل والدولة

29 نيسان 2021

https://www.nidaalwatan.com/article/44702-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9

يقول بيان سيدة الجبل، بمناسبة الذكرى السنوية لانسحاب الجيش السوري: أيها اللبنانيون لقد مرّت على لبنان جيوشٌ كثيرة وكُلها هُزمت ورحلت ليبقى لبنان. والمحتلون الجدد سيرحلون حتماً. هذا هو وعدُنا بالمثابرة والنضال، هذا وعدُنا من أجل لبنان السيد الحر والمستقل.

هو القول ذاته، لكن عن الجنوب، تغنيه فيروز: وبتولع حروب وبتنطفي حروب، وبتظلك حبيبي يا تراب الجنوب. وشو ما إجا شعوب وشو ما راح شعوب، كلن رح يفلو وبيبقى الجنوب.

الكلام جميل في الأغنية لكن صوت التجمعات السياسية لا يصلح للغناء، فهو يفسد اللحن ويشوه كلمات الأغنية. أقول ذلك وكل من في اللقاء يعرف أنني لولا ملاحظتي التي سأكررها الآن لا شيء يمنعني من أن أكون بينهم.

ذات نهار من آذار تصدرت مفردة السيادة شعار، سيادة-حرية-استقلال، الذي أطلقته الحناجر موقّعاً على موسيقى النظام المرصوص. لكن نعت السيادي، تحول على لسان الممانعة، إلى شتيمة، وألصقت بمستخدميه تهمة العمالة للأمبريالية والصهيونية. كانت تهمة سهلة لأن المطالبين بالسيادة اليوم كانوا ذات يوم مضى من منتهكيها. كل تدخل خارجي في لبنان باحتلال أو بغير احتلال ما كان ليحصل لولا استدراجه للاستقواء به من قبل قوة سياسية لبنانية، من كميل شمعون والأسطول السادس، إلى التظاهرات اليسارية المؤيدة للسلاح الفلسطيني في وجه الجيش اللبناني، إلى التدخل السوري وقوات الردع والاجتياح الاسرائيلي والمتعددة الجنسيات وصولاً إلى قوات الحرس الثوري الإيراني.

هذا هو بالضبط اعتراضي المكتوب والمنشور أكثر من مرة على حركة 14 آذار في ذلك الوقت وعلى الثورة اللبنانية بعد عقد ونصف كلما افترضتا أن السيادة لا تنتهك إلا من قوة خارجية، الأمر الذي جعل الفريقين متساويين في الإنتهاك فلا يعود لأحدهما فضل على الآخر ما دام كل منهما انتهك السيادة على طريقته. ويمكنني القول بقليل من المبالغة إن فريقي آذار كانا متوافقين ضمناً على إبقاء معنى السيادة محصوراً بالعدوان الخارجي واختراق الحدود، بدليل الاتفاق الرباعي، ليتمكنا من إخفاء دورهما في انتهاك السيادة من الداخل.

الاعتداء على الحدود أو اختراقها هو انتهاك صريح للسيادة. لكن العدوان الخارجي يبرر أيضاً وجود مقاومة شعبية أو مدنية أو شاملة أو إسلامية، أو وطنية إسلامية، أو جمّولية، نسبة إلى مقاومة الشيوعيين، أو لبنانية، نسبة إلى حزب القوات. ولئن أصبح كل نضال سلمي أو مسلح ضد التدخل الخارجي مشروعاً، فإن المقاومات سرعان ما تتحول إلى مبارزة ومنافسة وتنخرط في حروب أهلية بعضها ضد بعض، (كتائب وأحرار، قوات وعون، أمل وحزب الله، أمل والاشتراكي والشيوعي) وتتحول كل المقاومات إلى حركات تحرر وطني فلا يعود لأحدها فضل أو ميزة على الأخرى ويصبح الجميع على حق ويضيع حق الوطن بالسيادة.

إسرائيل اندحرت وظلت تنتهك سيادتنا ليلاً ونهاراً، والجيش السوري انسحب وما زال ينتهك سيادتنا، إن لم يكن بالسلاح فبالكبتاغون والرمان. وغدا قد ينسحب الحرس الثوري وتبقى التقاليد السياسية والثقافية والأخلاقية اللبنانية عرضة للانتهاك. ليس المهم أن يرحل المحتلون الجدد، بل المهم ألا يأتي محتلون جدد.

فكرة التحرر الوطني من القيم السامية، لكنها حملت في جوفها بذرة الاستبداد فصارت تستولده، وهي أحد أسباب ما نحن فيه اليوم. لا صوت يعلو اليوم على صوت التحرر من استبداد الأنظمة والأحزاب.